وتسريحها الأفنية وتجاوب فيها الثغاء والرغاء أنست أهلها وفرحت أربابها، وأجلتهم في عيون الناظرين إليها، وكسبتهم الجاه والحرمة عند الناس. ونحوه ﴿ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾ ( النحل : ٨ )، ﴿ يُوارِى سَوْءتِكُمْ وَرِيشًا ﴾ ( الأعراف : ٢٦ ). فإن قلت : لم قدّمت الإراحة على التسريح ؟ قلت : لأنّ الجمال في الإراحة أظهر، إذا أقبلت ملأى البطون حافلة الضروع، ثم أوت إلى الحظائر حاضرة لأهلها. وقرأ عكرمة :( حينا تريحون وحينا تسرحون ) على أن ﴿ تُرِيحُونَ ﴾ وصف للحين. والمعنى : تريحون فيه وتسرحون فيه، كقوله تعالى :﴿ وَاخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِى وَالِدٌ ﴾ ( لقمان : ٣٣ ).
! ٧ < ﴿ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ > ٧ !
< < النحل :( ٧ ) وتحمل أثقالكم إلى..... > > قرىء :( بشق الأنفس )، بكسر الشين وفتحها. وقيل : هما لغتان في معنى المشقة، وبينهما فرق : وهي أن المفتوح مصدر شق الأمر عليه شقا، وحقيقته راجعة إلى الشق الذي هو الصدع. وأما الشق فالنصف، كأنه يذهب نصف قوته لما يناله من الجهد. فإن قلت : ما معنى قوله :﴿ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ ﴾ كأنهم كانوا زماناً يتحملون المشاق في بلوغه حتى حملت الإبل أثقالهم. قلت : معناه وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه في التقدير لو لم تخلق الإبل إلا بجهد أنفسكم، لا أنهم لم يكونوا بالغيه في الحقيقة. فإن قلت : كيف طابق قوله :﴿ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ ﴾ قوله :﴿ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ ﴾ وهلا قيل : لم تكونوا حامليها إليه ؟ قلت : طباقه من حيث أن معناه : وتحمل أثقالكم إلى بلد بعيد قد علمتم أنكم لا تبلغونه بأنفسكم إلا بجهد ومشقة، فضلاً أن تحملوا على ظهوركم أثقالكم. ويجوز أن يكون المعنى : لم تكونوا بالغيه بها إلا بشق الأنفس. وقيل : أثقالكم أجرامكم. وعن عكرمة البلد مكة ﴿ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ حيث رحمكم بخلق هذه الحوامل وتيسير هذه المصالح.
! ٧ < ﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ > ٧ !
﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ ﴾ عطف على الأنعام، أي : وخلق هؤلاء للركوب والزينة، وقد احتج على حرمة أكل لحومهن بأن علل خلقها بالركوب والزينة، ولم يذكر الأكل بعد ما ذكره في الأنعام. فإن قلت : لم انتصب ﴿ وَزِينَةٌ ﴾ ؟ قلت : لأنه مفعول له، وهو معطوف