وهو متعدّ إلى مفعول واحد فتزيده الباء مفعولاً ثانياً، كقولك : غشيه، وغشيته به ﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا ﴾ جعلناها أرضاً جامعة للأقوات والفواكه. ووصف العمارة بأنها متواصلة متشابكة لم يتوسطها ما يقطعها ويفصل بينها، مع الشكل الحسن والترتيب الأنيق، ونعتهما بوفاء الثمار وتمام الأكل من غير نقص، ثم بماء وهو أصل الخير ومادّته من أمر الشرب فجعله أفضل ما يسقى به، وهو السيح بالنهر الجاري فيها. والأكل : الثمر. وقرىء ( بضم الكاف ) ﴿ وَلَمْ تَظْلِمِ ﴾ ولم تنقص. وآتت : حمل على اللفظ، لأنّ ﴿ كِلْتَا ﴾ لفظه لفظ مفرد، ولو قيل : آتتا على المعنى : لجاز وقرىء ( وفجرنا ) على التخفيف وقرأ عبد الله ( كل الجنتين آتى أكله ) بردّ الضمير على كل ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ أي أنواع من المال، من ثمر ماله إذا كثر. وعن مجاهد : الذهب والفضة، أي : كانت له إلى الجنتين الموصوفتين الأموال الدثرة من الذهب والفضة وغيرهما، وكان وافر اليسار من كل وجه، متمكناً من عمارة الأرض كيف شاء ﴿ وَأَعَزُّ نَفَراً ﴾ يعني أنصاراً وحشماً. وقيل : أولاداً ذكوراً، لأنهم ينفرون معه دون الإناث، يحاوره : يراجعه الكلام، من حار يحور إذا رجع، وسألته فما أحار كلمة.
! ٧ < ﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَاذِهِ أَبَداً * وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّى لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً ﴾ > ٧ !
< < الكهف :( ٣٥ ) ودخل جنته وهو..... > > يعني قطروس أخذ بيد أخيه المسلم يطوف به في الجنتين ويريه ما فيهما ويعجبه منهما ويفاخره بما ملك من المال دونه. فإن قلت : فلم أفرد الجنة بعد التثنية ؟ قلت : معناه ودخل ما هو جنته ماله جنة غيرها، يعني أنه لا نصيب له في الجنة التي وعد المؤمنون، فما ملكه في الدنيا هو جنته لا غير، ولم يقصد الجنتين ولا واحدة منهما ﴿ وَهُوَ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ ﴾ وهو معجب بما أوتي مفتخر به كافر لنعمة ربه، معرّض بذلك نفسه لسخط الله، وهو أفحش الظلم. إخباره عن نفسه بالشك في بيدودة جنته : لطول أمله واستيلاء الحرص عليه وتمادي غفلته واغتراره بالمهلة وإطراحه النظر في عواقب أمثاله. وترى أكثر الأغنياء من المسلمين وإن لم يطلقوا بنحو هذا ألسنتهم، فإن ألسنة أحوالهم ناطقة به منادية عليه ﴿ وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبّى ﴾ إقسام منه على أنه إن ردَّ إلى ربه على سبيل الفرض والتقدير وكما يزعم صاحبه ليجدنّ في الآخرة خيراً من جنته في الدنيا، تطمعاً وتمنياً على الله، وادّعاء لكرامته عليه ومكانته عنده، وأنه ما أولاه الجنتين إلا لاستحقاقه واستئهاله، وأنّ معه هذا الاستحقاق أينما توجه، كقوله ﴿ إِنَّ لِى عِندَهُ لَلْحُسْنَى ﴾ ( فصلت : ٥٠ )، ﴿ لاَوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً ﴾ ( مريم : ٧٧ ). وقرىء :( خيراً منهما ) ردّا على الجنتين ﴿ مُنْقَلَباً ﴾ مرجعاً وعاقبة. وانتصابه على