ونظيره في كلامهم علمت زيدا فاضلا والغرض فيه ذكر إحاطة العلم بفضل زيد لا به نفسه لأنه كان معلوما له قديما كانه قيل علمت فضل زيد ولكن ذكر زيد توطئة وتمهيد لذكر فضله
فإن قلت هل للاقتصار بخادعت على واحد وجه صحيح قلت وجهه أن يقال عنى به فعلت الا أنه أخرج في زنة فاعلت لأن الزنة في أصلها للمغالبة والمباراة والفعل متى غولب فيه فاعله جاء أبلغ وأحكم منه إذا زاوله وحده من غير مغالب ولا مبار لزيادة قوة الداعي اليه
ويعضده قراءة من قرأ
^ يخدعون الله والذين ءامنوا ^ وهو أبو حيوة و
! ٢ < يخادعون > ٢ ! بيان ليقول
ويجوز أن يكون مستأنفا كانه قيل ولم يدعون الإيمان كاذبين وما رفقهم في ذلك فقيل يخادعون
فإن قلت عم كانوا يخادعون قلت كانوا يخادعونهم عن أغراض لهم ومقاصد منها متاركتهم واعفاؤهم عن المحاربة وعما كانوا يطرقون به من سواهم من الكفار
ومنها إصطناعهم بما يصطنعون به المؤمنين من إكرامهم والإحسان إليهم وإعطائهم الحظوظ من المغانم ونحو ذلك من الفوائد ومنها اطلاعهم لاختلاطهم بهم على الأسرار التى كانوا حراصا على إذاعتها الى منابذيهم
فإن قلت فلو اظهر عليهم حتى لا يصلوا الى هذه الأغراض بخداعهم عنها
قلت لم يظهر عليهم لما احاط به علما من المصالح التى لو اظهر عليهم لانقلبت مفاسد واستبقاء إبليس وذريته ومتاركتهم وما هم عليه من إغواء المنافقين وتلقينهم النفاق أشد من ذلك
ولكن السبب فيه ما علمه تعالى من المصلحة
فإن قلت ما المراد بقوله
^ وما يخادعون الا انفسهم ^
قلت يجوز ان يراد وما يعاملون تلك المعاملة المشبهة بمعاملة المخادعين الا أنفسهم لأن ضررها يلحقهم ومكرها يحيق بهم كما تقول فلان يضار فلانا وما يضار الا نفسه أي دائرة الضرار راجعة اليه وغير متخطية إياه وان يراد حقيقة المخادعة أي وهم في ذلك يخدعون انفسهم حيث يمنونها الأباطيل ويكذبونها فيما يحدثونها به وانفسهم كذلك تمنيهم وتحدثهم بالأماني وان يراد وما يخدعون فجيء به على لفظ يفاعلون للمبالغة
وقرىء ( وما يخدعون ) ويخدعون من خدع
ويخدعون بفتح الياء بمعنى يخدعون ويخدعون ويخادعون على لفظ ما لم يسم فاعله والنفس ذات الشيء وحقيقته
يقال عندي كذا نفسا ثم قيل للقلب نفس لأن النفس به الا ترى الى قولهم المرء بأصغريه وكذلك بمعنى الروح وللدم نفس لأن قوامها بالدم
وللماء نفس لفرط حاجتها اليه قال الله تعالى
^ وجعلنا من الماء كل شيء حي ^ الأنبياء ٣٠