القول عام يشمل السرّ والجهر فكان في العلم به العلم بالسرّ وزيادة، فكان آكد في بيان الاطلاع على نجواهم من أن يقول : يعلم السرّ، كما أنّ قوله : يعلم السرّ، آكد من أن يقول : يعلم سرهم. ثم بين ذلك بأنه السميع العليم لذاته فكيف تخفى عليه خافية. فإن قلت : فلم ترك هذا الآكد في سورة الفرقان في قوله :﴿ قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِى يَعْلَمُ السّرَّ فِى السَّمَاواتِ وَالاْرْضِ ﴾ ( الفرقان : ٦ ) قلت : ليس بواجب أن يجيء بالآكد في كل موضع. ولكن يجيء بالوكيد تارة وبالآكد أخرى، كما يجيء بالحسن في موضع وبالأحسن في غيره ليفتنّ الكلام افتناناً، وتجمع الغاية وما دونها، على أن أسلوب تلك الآية خلاف أسلوب هذه، من قبل أنه قدم ههنا أنهم أسروا النجوى. فكانه أراد أن يقول : إن ربي يعلم ما أسروه، فوضع القول موضع ذلك للمبالغة، وثم قصد وصف ذاته بأن أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض، فهو كقوله علام الغيوب ﴿ عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ﴾ ( سبأ : ٣ ) وقرىء ﴿ قَالَ رَبّى ﴾ حكاية لقول رسول الله ﷺ لهم.
! ٧ < ﴿ بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِأايَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ الاٌّ وَّلُونَ ﴾ > ٧ !
< < الأنبياء :( ٥ ) بل قالوا أضغاث..... > > أضربوا عن قولهم هو سحر إلى أنه تخاليط أحلام، ثم إلى أنه كلام مفترى من عنده، ثم إلى أنه قول شاعر، وهكذا الباطل لجلج، والمبطل متحير رجاع غير ثابت على قول واحد. ويجوز أن يكون تنزيلاً من الله تعالى لأقوالهم في درج الفساد : وأن قولهم الثاني أفسد من الأول، والثالث أفسد من الثاني، وكذلك الرابع من الثالث، صحة التشبيه في قوله :﴿ كَمَا أُرْسِلَ الاْوَّلُونَ ﴾ من حيث أنه في معنى : كما أتى الأوّلون بالآيات، لأنّ إرسال الرسل متضمن للإتيان بالآيات ألا ترى أنه لا فرق بين أن تقول : أرسل محمد ﷺ، وبين قولك : أتى محمد بالمعجزة.
! ٧ < ﴿ مَآ ءَامَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ﴾ > ٧ !
< < الأنبياء :( ٦ ) ما آمنت قبلهم..... > > ﴿أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ﴾ فيه أنهم أعتى من الذين اقترحوا على أنبيائهم الآيات وعاهدوا أنهم يؤمنون عندها، فلما جاءتهم نكثوا أو خالفوا، فأهلكهم الله. فلو أعطيناهم ما يقترحون لكانوا أنكث وأنكث.