قضية مضربه محتذ على مثال ما يحتكمه ويستدعيه ولبيان ان المؤمنين الذين عادتهم الإنصاف والعمل على العدل والتسوية والنظر في الأمور بناظر العقل إذا سمعوا بمثل هذا التمثيل علموا انه الحق الذي لا تمر الشبهة بساحته والصواب الذي لا يرتع الخطأ حوله
وأن الكفار الذين غلبهم الجهل على عقولهم وغصبهم على بصائرهم فلا يتفطنون ولا يلقون أذهانهم أوعرفوا انه الحق الا ان حب الرياسة وهوى الألف والعادة لا يخليهم ان ينصفوا فإذا سمعوه عاندوا وكابروا وقضوا عليه بالبطلان وقابلوه بالإنكار وان ذلك سبب زيادة هدى المؤمنين وإنهماك الفاسقين في غيهم وضلالهم
والعجب منهم كيف أنكروا ذلك وما زال الناس يضربون الأمثال بالبهائم والطيور وأحناش الأرض والحشرات والهوام وهذه أمثال العرب بين أيديهم مسيرة في حواضرهم وبواديهم قد تمثلوا فيها بأحقر الأشياء فقالوا أجمع من ذرة وأجرأ من الذباب
وأسمع من قراد وأصرد من جرادة وأضعف من فراشة وآكل من السوس وقالوا في البعوضة أضعف من بعوضة وأعز من مخ البعوض وكلفتني مخ البعوض
ولقد ضربت الأمثال في الإنجيل بالأشياء المحقرة كالزوان والنخالة وحبة الخردل والحصاة والأرضة والدود والزنابير
والتمثيل بهذه الأشياء وبأحقر منها مما لا تغني استقامته وصحته على من به أدنى مسكة ولكن ديدن المحجوج المبهوت الذي لا يبقى له متمسك بدليل ولا متشبث بأمارة ولا إقناع أن يرمي لفرط الحيرة والعجز عن إعمال الحيلة بدفع الواضح وإنكار المستقيم والتعويل على المكابرة والمغالطة اذا لم يجد سوى ذلك معولا
وعن الحسن وقتادة لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه وضرب للمشركين به المثل ضحكت اليهود وقالوا ما يشبه هذا كلام الله فانزل الله عز وجل هذه الآية
والحياء تغير وإنكسار يعتري الإنسان من تخوف ما يعاب به ويذم
واشتقاقه من الحياة يقال حيي الرجل كما يقال نسي وحشي وشظي الفرس إذا اعتلت هذه الأعضاء جعل الحيي لما يعتريه من الإنكسار والتغير منتكس القوة منتقص الحياة كما قالوا هلك فلان حياء من كذا ومات حياء ورأيت الهلاك في وجهه من شدة