سخيرها وتسبيحها أعجب وأدلّ على القدرة وأدخل في الإعجاز، لأنها جماد والطير حيوان، إلا أنه غير ناطق. روي : أنه كان يمرّ بالجبال مسبحاً وهي تجاوبه. وقيل : كانت تسير معه حيث سار. فإن قلت : كيف تنطق الجبال وتسبح ؟ قلت : بأن يخلق الله فيها الكلام كما خلقه في الشجرة حين كلم موسى وجواب آخر : وهو أن يسبح من رآها تسير بتسيير الله، فلما حملت على التسبيح وصفت به ﴿ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ أي قادرين على أن نفعل هذا وإن كان عجباً عندكم وقيل : وكنا نفعل بالأنبياء مثل ذلك.
اللبوس : الباس. قال :% ( الْبَسْ لِكُلِّ حَالَةٍ لَبُوسَهَا ;
والمراد الدرع قال قتادة : كانت صفائح فأوّل من سردها وحلقها داود، فجمعت الخفة والتحصين ﴿ لِتُحْصِنَكُمْ ﴾ قرىء بالنون والياء والتاء، وتخفيف الصاد وتشديدها ؛ فالنون لله عز وجل، والتاء للصنعة أو للبوس على تأويل الدرع، والياء لداود أو للبوس. ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِى بِأَمْرِهِ إِلَى الاٌّ رْضِ الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَىْءٍ عَالِمِينَ * وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذالِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ ﴾ قرىء :( الريح ) و ( الرياح ) بالرفع والنصب فيهما ؛ فالرفع على الابتداء، والنصب على العطف على الجبال. فإن قلت : وصفت هذه الرياح بالعصف تارة وبالرخاوة أخرى، فما التوفيق بينهما ؟ قلت : كانت في نفسها رخية طيبة كالنسيم، فإذا مرت بكرسيه أبعدت به في مدة يسيرة، على ما قال :﴿ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ﴾ ( سبأ : ١٢ ) فكان جمعها بين الأمرين أن تكون رخاء في نفسها وعاصفة في عملها، مع طاعتها لسليمان وهبوبها على حسب ما يريد ويحتكم : آية إلى آية ومعجزة إلى معجزة. وقيل كانت في وقت رخاء، وفي وقت عاصفاً ؛ لهبوبها على حكم إرادته، وقد أحاط علمنا بكل شيء فنجري الأشياء كلها على ما يقتضيه علمنا وحكمتنا.
> ١ ( سورة الحج ) ١ <
مكية، غير ست آيات، وهي : هذان خصمان... إلى قوله... إلى صراط الحميد
وهي ثمان وسبعون آية
بسم اللَّه الرحمان الرحيم
! ٧ < ﴿ ياأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ ﴾ > ٧ !
< < الحج :( ١ ) يا أيها الناس..... > > الزلزلة : شدّة التحريك والإزعاج، وأن يضاعف زليل الأشياء عن مقارّها ومراكزها ولا تخلو ﴿ السَّاعَةَ ﴾ من أن تكون على تقدير الفاعلة لها، كأنها هي التي تزلزل الأشياء على المجاز الحكمي، فتكون الزلزلة مصدراً مضافاً إلى فاعله، أو على تقدير المفعول فيها على طريقة الاتساع في الظرف وإجرائه مجرى المفعول به، كقوله تعالى :﴿ بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ ( سبأ : ٣٣ ) وهي الزلزلة المذكورة في قوله :﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الاْرْضُ زِلْزَالَهَا ﴾ ( الزلزلة : ١ ) واختلف في وقتها، فعن الحسن أنها تكون يوم القيامة وعن علقمة والشعبي : عند طلوع الشمس من مغربها أمر بني آدم بالتقوى، ثم علل وجوبها عليهم بذكر الساعة ووصفها بأهول صفة، لينظروا إلى تلك الصفة ببصائرهم ويتصوّروها بعقولهم، حتى يبقوا على أنفسهم ويرحموها من شدائد ذلك اليوم، بامتثال ما أمرهم به ربهم من التردي بلباس التقوى، الذي لا يؤمنهم من تلك الأفزاع إلا أن يتردوا به وروي :
( ٧٠٣ ) أنّ هاتين الآيتين نزلتا ليلاً في غزوة بني المصطلق، فقرأهما

__________


الصفحة التالية
Icon