يحتمل أنهم لم يسافروا فحثّوا على السفر ؛ ليروا مصارع من أهلكهم الله بكفرهم، ويشاهدوا آثارهم فيعتبروا. وأن يكونوا قد سافروا ورأوا ذلك ولكن لم يعتبروا، فجعلوا كأن لم يسافروا ولم يروا. وقرىء :( فيكون لهم قلوب ) بالياء، أي : يعقلون ما يجب أن يعقل من التوحيد، ويسمعون ما يجب سماعه من الوحي ﴿ فَإِنَّهَا ﴾ الضمير ضمير الشأن والقصة، يجيء مذكراً ومؤنثاً، وفي قراءة ابن مسعود : فإنه. ويجوز أن يكون ضميراً مبهماً يفسره ﴿ الاْبْصَارِ ﴾ وفي تعمى ضمير راجع إليه. والمعنى : أنّ أبصارهم صحيحة سالمة لا عمى بها. وإنما العمى بقلوبهم. أولا يعتدّ بعمى الأبصار، فكأنه ليس بعمى بالإضافة إلى عمى القلوب. فإن قلت : أي فائدة في ذكر الصدور ؟ قلت : الذي قد تعورف واعتقد أنّ العمى على الحقيقة مكانه البصر، وهو أن تصاب الحدقة بما يطمس نورها. واستعماله في القلب استعارة ومثل، فلما أريد إثبات ما هو خلاف المعتقد من نسبة العمى إلى القلوب حقيقة ونفيه عن الأبصار، احتاج هذا التصوير إلى زيادة تعيين وفضل تعريف، ليتقرّر أنّ مكان العمى هو القلوب لا الأبصار، كما تقول : ليس المضاء للسيف ولكنه للسانك الذي بين فكيك، فقولك :( الذي بين فكيك ) تقرير لمّا ادّعيته للسانه وتثبيت لأنّ محلّ المضاء هو هو لا غير، وكأنك قلت : ما نفيت المضاء عن السيف وأثبته للسانك فلتة ولا سهواً مني، ولكن تعمدت به إياه بعينه تعمداً.
! ٧ < ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ * وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِىَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَىَّ الْمَصِيرُ ﴾ > ٧ !
< < الحج :( ٤٧ ) ويستعجلونك بالعذاب ولن..... > > أنكر استعجالهم بالمتوعد به من العذاب العاجل أو الآجل، كأنه قال : ولم يستعجلون به ؟ كأنهم يجوّزون الفوت، وإنما يجوز ذلك على ميعاد من يجوز عليه الخلف، والله عزّ وعلا لا يخلف الميعاد وما وعده ليصيبنهم ولو بعد حين، وهو سبحانه حليم لا يعجل، ومن حلمه ووقاره واستقصاره المدد الطوال أنّ يوماً واحداً عنده كألف سنة عندكم. قيل : معناه كيف يستعجلون بعذاب مَن يومٌ واحد من أيام عذابه في طول أَلف سنة من سنيكم ؛ لأن أيام الشدائد مستطالة. أو كأن ذلك اليوم الواحد لشدة عذابه كألف سنة من سني العذاب. وقيل : ولن يخلف الله وعده في النظرة والإمهال. وقرىء :