التمني في نفسه، فأخذ يقرؤها فلما بلغ قوله :﴿ وَمَنَواةَ الثَّالِثَةَ الاْخْرَى ﴾ ( النجم : ٢٠ ) :﴿ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِى أُمْنِيَّتِهِ ﴾ التي تمناها، أي : وسوس إليه بما شيعها به، فسبق لسانه على سبيل السهو والغلط إلى أن قال : تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهنّ لترتجى. وروي : الغرانقة، ولم يفطن له حتى أدركته العصمة فتنبه عليه، وقيل : نبهه جبريل عليه السلام. أو تكلم الشيطان فأسمعه الناس. فلما سجد في آخرها سجد معه جميع من في النادي وطابت نفوسهم، وكان تمكين الشيطان من ذلك محنة من الله وابتلاء، زاد المنافقون به شكاً وظلمة، والمؤمنون نوراً وإيقاناً. والمعنى : أن الرسل والأنبياء من قبلك كانت هجيراهم كذلك إذا تمنوا مثل ما تمنيت، مكن الله الشيطان ليلقي في أمانيهم ما ألقى في أمنيتك، إرادة امتحان من حولهم، والله سبحانه له أن يمتحن عباده بما شاء من صنوف المحن وأنواع الفتن، ليضاعف ثواب الثابتين، ويزيد في عقاب المذبذبين. وقيل :﴿ تَمَنَّى ﴾ : قرأ. وأنشد :% ( تَمَنَّى كِتَابَ اللَّهِ أَوَّلَ لَيْلَة % تَمَنِّي دَاوُدَ الرَّبُورَ عَلَى رِسْلِ ) %
وأمنيته : قراءته. وقيل : تلك الغرانيق : إشارة إلى الملائكة، أي : هم الشفعاء لا الأصنام ﴿ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ ﴾ أي يذهب به ويبطله ﴿ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ ءايَاتِهِ ﴾ أي يثبتها.
! ٧ < ﴿ لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ > ٧ !
< < الحج :( ٥٣ ) ليجعل ما يلقي..... > > والذين ﴿ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ ﴾ المنافقون والشاكون ﴿ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ﴾ المشركون المكذبون ﴿ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ ﴾ يريد : وإن هؤلاء المنافقين والمشركين. وأصله : وإنهم، فوضع الظاهر موضع الضمير قضاء عليهم بالظلم ﴿ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبّكَ ﴾ أي ليعلموا أن تمكين الشيطان من الإلقاء : هو الحق من ربك والحكمة ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ أن يتأجلوا ما يتشابه في الدين بالتأويلات الصحيحة، ويطلبوا لما أشكل منه المحمل الذي تقتضيه الأصول والمحكمة والقوانين الممهدة، حتى لا تلحقهم حيرة ولا تعتريهم شبهة ولا تزل أقدامهم. وقرىء :( لهاد الذين آمنوا ) بالتنوين.