هذا المصدر إذا جاء عقيب كلام، جاء كالشاهد بصحته والمنادي على سداده، وأنه ما كان ينبغي أن يكون إلا كما قد كان. ألا ترى إلى قوله :﴿ صُنْعَ اللَّهِ ﴾، و ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ ﴾ ( البقرة : ١٣٨ )، و ﴿ وَعَدَ اللَّهُ ﴾ ( النساء : ٩٥ ) وغيرها، و ﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ ﴾ ( الروم : ٣٠ ) : بعدما وسمها بإضافتها إليه بسمة التعظيم، كيف تلاها بقوله :﴿ الَّذِى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْء ﴾، ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ﴾ ( البقرة : ١٣٨ ) لا يخلف الله الميعاد ﴿ لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ ( الروم : ٣٠ ) وقرىء :( تفعلون )، على الخطاب. ﴿ فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا ﴾ يريد الإضعاف وأنّ العمل يتقضى والثواب يدوم، وشتان ما بين فعل العبد وفعل السيد. وقيل : فله خير منها، أي : له خير حاصل من جهتها وهو الجنة، وعن ابن عباس ؛ الحسنة كلمة الشهادة. وقرىء :﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾ مفتوحاً مع الإضافة ؛ لأنه أضيف إلى غير متمكن. ومنصوباً مع تنوين فزع. فإن قلت : ما الفرق بين الفزعين ؟ قلت : الفزع الأوّل : هو ما لا يخلو منه أحد عند الإحساس بشدّة تقع وهول يفجأ، من رعب وهيبة، وإن كان المحسن يأمن لحاق الضرر به ؛ كما يدخل الرجل على الملك بصدر هياب وقلب وجاب وإن كان ساعة إعزاز وتكرمة وإحسان وتولية. وأمّا الثاني : فالخوف من العذاب. فإن قلت : فمن قرأ ﴿ مّن فَزَعٍ ﴾ بالتنوين ما معناه ؟ قلت : يحتمل معنيين. من فزع واحد وهو خوف العقاب، وأمّا ما يلحق الإنسان من التهيب والرعب لما يرى من الأهوال والعظائم، فلا يخلون منه ؛ لأن البشرية تقتضي ذلك. وفي الأخبار والآثار ما يدل عليه. ومن فزع شديد مفرط الشدّة لا يكتنهه الوصف : وهو خوف النار. أمن : يعدي بالجار وبنفسه، كقوله تعالى :﴿ فَئَامِنُواْ * مَكْرَ اللَّهِ ﴾ ( الأعراف : ٩٩ ). وقيل : السيئة : الإشراك. يعبر عن الجملة بالوجه والرأس والرقبة، فكأنه قيل : فكبوا في النار، كقوله تعالى :﴿ فَكُبْكِبُواْ فِيهَا ﴾ ( الشعراء : ٩٤ ) ويجوز أن يكون ذكر الوجوه إيذاناً بأنهم يكبون على وجوههم فيها منكوسين ﴿ هَلْ تُجْزَوْنَ ﴾ يجوز فيه الالتفات وحكاية ما يقال لهم عند الكب بإضمار القول.
! ٧ < ﴿ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبِّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِى حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَىءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْءَانَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُنذِرِينَ * وَقُلِ الْحَمْدُ للَّهِ سَيُرِيكُمْ ءَايَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ > ٧ !
< < النمل :( ٩١ ) إنما أمرت أن..... > > أمر رسوله بأن يقول :﴿ أُمِرْتُ ﴾ أن أخص الله وحده بالعبادة، ولا أتخذ له شريكاً

__________


الصفحة التالية
Icon