خلق الله، فكيف يعبد المخلوق المخلوق، على أن العابد منهما هو الذي عمل صورة المعبود وشكله، ولولاه لما قدر أن يصوّر نفسه ويشكلها، ولو قلت : والله خلقكم وخلق عملكم، ولم يكن محتجاً عليهم ولا كان لكلامك طباق. وشيء آخر : وهو أن قوله :﴿ مَا تَعْمَلُونَ ﴾ ترجمة عن قوله :﴿ مَا تَنْحِتُونَ ﴾ و ( ما ) في ﴿ مَا تَنْحِتُونَ ﴾ موصولة لا مقال فيها فلا يعدل بها عن أختها إلاّ متعسف متعصب لمذهبه، من غير نظر في علم البيان، ولا تبصر لنظم القرآن. فإن قلت : اجعلها موصولة حتى لا يلزمني ما ألزمت، وأريد : وما تعملونه من أعمالكم. قلت : بل الإلزامان في عنقك لا يفكهما إلاّ الإذعان للحق، وذلك أنك وإن جعلتها موصولة، فإنك في إرادتك بها العمل غير محتج على المشركين، كحالك وقد جعلتها مصدرية، وأيضاً فأنك قاطع بذلك الوصلة بين ما تعملون وما تنحتون، حتى تخالف بين المرادين بهما ؛ فتزيد بما تنحتون : الأعيان التي هي الأصنام، ربما تعملون : المعاني التي هي الأعمال ؛ وفي ذلك فك النظم وتبتيره ؛ كما إذا جعلتها مصدرية.
! ٧ < ﴿ قَالُواْ ابْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِى الْجَحِيمِ * فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الاٌّ سْفَلِينَ ﴾ > ٧ !
< < الصافات :( ٩٧ ) قالوا ابنوا له..... > > ﴿الْجَحِيمِ ﴾ النار الشديدة الوقود، وقيل : كل نار على نار وجمر فوق جمر، فهي جحيم. والمعنى : أن الله تعالى غلبه عليهم في المقامين جميعاً، وأذلهم بين يديه : أرادوا أن يغلبوه بالحجة فلقنه الله وألهمه ما ألقمهم به الحجر، وقهرهم فمالوا إلى المكر، فأبطل الله مكرهم وجعلهم الأذلين الأسفلين لم يقدروا عليه.
! ٧ < ﴿ وَقَالَ إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِى مِنَ الصَّالِحِينِ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾ > ٧ !
< < الصافات :( ٩٩ ) وقال إني ذاهب..... > > أراد بذهابه إلى ربه : مهاجرته إلى حيث أمره بالمهاجرة إليه من أرض الشام ؛ كما قال : إني مهاجر إلى ربي :﴿ سَيَهْدِينِ ﴾ ؟ سيرشدني إلى ما فيه صلاحي في ديني ويعصمني ويوفقني، كما قال موسى عليه السلام :﴿ كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ ﴾ ( الشعراء : ٦٢ ) كأن الله وعده وقال له : سأهديك، فأجرى كلامه على سنن موعد ربه. أو بناء على عادة الله تعالى معه في هدايته وإرشاده. أو أظهر بذلك توكله وتوفيضه أمره إلى الله. ولو قصد الرجاء والطمع لقال، كما قال موسى عليه السلام :﴿ عَسَى رَبّى أَن يَهْدِيَنِى سَوَاء السَّبِيلِ ﴾ ( القصص : ٢٢ ). ﴿ هَبْ لِى مِنَ الصَّالِحِينِ ﴾ هب لي بعض الصالحين، يريد الولد، لأنّ لفظ الهبة غلب في الولد وإن كان قد جاء في الأخ في قوله تعالى :﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً ﴾ ( مريم : ٥٣ ) قال عزّ وجلّ :﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ﴾ ( الأنعام : ٨٤ ) ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى ﴾ ( الأنبياء : ٩٠ ) وقال علي بن أبي طالب لابن عباس رضي الله عنهم حين هنأه بولده عليّ أبي الأملاك : شكرت الواهب،