رضي الله عنهما. وهذه القراءة وإن كان هذا محملها فهي ضعيفة، والذي أضعفها : أن الإنكار قد اكتنف هذه الجملة من جانبيها، وذلك قوله :﴿ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾. ﴿ مَالَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ ؟ فمن جعلها للإثبات، فقد أوقعها دخيلة بين نسيبين. وقرىء :( تذكرون ) من ذكر ﴿ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ ﴾ أي حجة نزلت عليكم من السماء وخبر بأن الملائكة بنات الله ﴿ فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ ﴾ الذي أنزل عليكم في ذلك، كقوله تعالى :﴿ أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ ﴾ ( الروم : ٣٥ ) وهذه الآيات صادرة عن سخط عظيم، وإنكار فظيع، واستبعاد لأقاويلهم شديد ؛ وما الأساليب التي وردت عليها إلاّ ناطقة بتسفيه أحلام قريش، وتجهيل نفوسها، واستركاك عقولها، مع استهزاء وتهكم وتعجيب، من أن يخطر مخطر مثل ذلك على بالٍ ويحدّث به نفساً ؛ فضلاً أن يجعله معتقداً ويتظاهر به مذهباً.
! ٧ < ﴿ وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴾ > ٧ !
< < الصافات :( ١٥٨ ) وجعلوا بينه وبين..... > > ﴿وَجَعَلُواْ ﴾ بين الله وبين الجنة وأراد الملائكة ﴿ نَسَباً ﴾ وهو زعمهم أنهم بناته، والمعنى : جعلوا بما قالوا : نسبة بين الله وبينهم، وأثبتوا له بذلك جنسية جامعة له وللملائكة. فإن قلت : لم سمي الملائكة جنة ؟ قلت : قالوا : الجنس واحد، ولكن من خبث من الجن ومرد وكان شراً كله فهو شيطان، ومن طهر منهم ونسك وكان خيراً كله فهو ملك ؛ فذكرهم في هذا الموضع باسم جنسهم، وأنما ذكرهم بهذا الاسم وضعاً منهم وتقصيراً بهم. وإن كانوا معظمين في أنفسهم أن يبلغوا منزلة المناسبة التي أضافوها إليهم. وفيه إشارة إلى أن من صفته الاجتنان والاستتار، وهو من صفات الأجرام لا يصلح أن يناسب من لا يجوز عليه ذلك. ومثاله : أن تسوّي بين الملك وبين بعض خواصه ومقرّبيه، فيقول لك : أتسوّى بيني وبين عبدي. وإذا ذكره في غير هذا المقام وقرّه وكناه. والضمير في ﴿ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ﴾ للكفرة. والمعنى : أنهم يقولون ما يقولون في الملائكة، وقد علم الملائكة أنهم في ذلك كاذبون مفترون، وأنهم محضرون النار معذبون بما يقولون، والمراد المبالغة في التكذيب. حيث أضيف إلى علم الذين ادّعوا لهم تلك النسبة. وقيل : قالوا إنّ الله صاهر الجن فخرجت الملائكة. وقيل : قالوا : إن الله والشيطان أخوان.
وعن الحسن : أشركوا الجن في طاعة الله. ويجوز إذا فسر الجنة بالشياطين : أن يكون الضمير في ﴿ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ﴾ لهم، والمعنى أن الشياطين عالمون بأنّ الله يحضرهم النار ويعذّبهم، ولو كانوا مناسبين له أو شركاء في وجوب الطاعة لما عذّبهم { إِلاَّ عِبَادَ