وقد دلت الآية على أمرين هائلين، أحدهما : أن فيما يرتكب من يؤمن من الآثام ما يحبط عمله. والثاني : أن في آثامه ما لا يدري أنه محبط، ولعله عند الله كذلك ؛ فعلى المؤمن أن يكون في تقواه كالماشي في طريق شائك لا يزال يحترز ويتوقى ويتحفظ.
! ٧ < ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ > ٧ !
< < الحجرات :( ٣ ) إن الذين يغضون..... > > ﴿ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ﴾ من قولك : امتحن فلان لأملا كذا وجرب له، ودرب للنهوض به. فهو مضطلع به غير وان عنه. والمعنى أنهم صبر على التقوى، أقوياء على احتمال مشاقها. أو وضع الامتحان موضع المعرفة ؛ لأنّ تحقق الشيء باختباره، كما يوضع الخبر موضعها، فكأنه قيل : عرف الله قلوبهم للتقوى، وتكون اللام متعلقة بمحذوف، واللام هي التي في قولك : أنت لهذا الأمر، أي كائن له ومختص به قال :% ( أَنْتَ لَهَا أَحْمَدُ مِنْ بَيْنِ الْبَشَر % أَعَدَّاءٌ مَنْ لِلْيَعْمُلاَتِ عَلَى الْوَجَى ) %
وهي مع معمولها منصوبة على الحال. أو ضرب الله قلوبهم بأنواع المحن والتكاليف الصعبة لأجل التقوى، أي لتثبت وتظهر تقواها، ويعلم أنهم متقون ؛ لأن حقيقة التقوى لا تعلم إلا عند المحن والشدائد والاصطبار عليها. وقيل أخلصها للتقوى. من قولهم : امتحن الذهب وفتنه، إذا أذابه فخلص إبريزه من خبشه ونقاه. وعن عمر رضي الله عنه : أذهب الشهوات عنها. والامتحان : افتعال، من محنه، وهو اختبار بليغ أو بلاء جهيد. قال أبو عمرو : كل شيء جهدته فقد محنته. وأنشد :% ( أَتَتْ رَذَايَا بَادِياً كِلاَلُهَا % قَدْ مَحَنَتْ وَاضْطَرَبَتْ آطَالُهَا ) %
قيل : أنزلت في الشيخين رضي الله عنهما، لما كان منهما من غض الصوت والبلوغ به أخا السرار. وهذه الآية بنظمها الذي رتبت عليه من إيقاع الغاضين أصواتهم

__________


الصفحة التالية
Icon