الإجابة
الحمد لله
قال تعالى : (اللهُ وَلَى الَّذِينَ آمَنُوا يَخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى
النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ
النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) البقرة/ 257 .
وقال تعالى : (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ
الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ
الْحَمِيدِ) إبراهيم/ 1 .
وقال عز وجل : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ
مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) الأحزاب/ 43 .
فجمع الظلمات وأفرد النور في هذه الآيات وغيرها ؛ لأن طريق الحق واحد لا تعدد فيه ،
بخلاف الباطل الذي تتعدد طرائقه ، وتكثر أسبابه .
قال ابن القيم رحمه الله :
" الطريق إلى الله فى الحقيقة واحد لا تعدد فيه ، وهو صراطه المستقيم الذى نصبه
موصلاً لمن سلكه إليه ، قال الله تعالى: ( وأَنَّ هذا صِرَاطِى مُسْتَقِيماً
فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُل) الأنعام/ 153 ، فَوَحَّد سبيله لأنه فى
نفسه واحد لا تعدد فيه ، وجمع السبل المخالفة لأنها كثيرة متعددة ، كما ثبت أن
النبى صلى الله عليه وسلم خط خطا ثم قال: (هذا سبيل الله) ثم خط خطوطاً عن يمينه
وعن يساره ثم قال: (هذا سبل ، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه) ثم قرأ: (وَأَنَّ
هذا صِرَاطِى مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ
بِكُمْ عَنْ سبِيلِهِ) الأنعام/153.
ومن هذا قوله تعالى: (اللهُ وَلَى الَّذِينَ آمَنُوا يَخْرِجُهُمْ مِنَ
الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ
يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) ، فوحّد النور الذى هو سبيله،
وجمع الظلمات التىهى سبيل الشيطان " .
انتهى من "طريق الهجرتين" (ص 177) .
وقال الزركشي رحمه الله :
" طَرِيقَ الْحَقِّ وَاحِدٌ ، وَأَمَّا الْبَاطِلُ فَطُرُقُهُ مُتَشَعِّبَةٌ
مُتَعَدِّدَةٌ ، وَلَمَّا كَانَتِ الظُّلَمُ بِمَنْزِلَةِ طَرِيقِ الْبَاطِلِ ،
وَالنُّورُ بِمَنْزِلَةِ طريق الجنة ، بَلْ هُمَا ، هُمَا: أَفْرَدَ النُّورَ
وَجَمَعَ الظُّلُمَاتِ ، وَلِهَذَا وَحَّدَ الْوَلِيَّ فَقَالَ (اللَّهُ وَلِيُّ
الَّذِينَ آمنوا) لِأَنَّهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ ، وَجَمَعَ أَوْلِيَاءَ
الْكُفَّارِ لِتَعَدُّدِهِمْ ، وَجَمَعَ الظُّلُمَاتِ وَهِيَ طُرُقُ الضَّلَالِ
وَالْغَيِّ ، لِكَثْرَتِهَا وَاخْتِلَافِهَا ، وَوَحَّدَ النُّورَ وَهُوَ دِينُ
الْحَقِّ " انتهى من "البرهان في علوم القرآن" (4/12) .
ولكن هذا لا يمنع من التعبير بالجمع فيقال : "الأنوار" وذلك لتعدد الطاعات وتنوعها
، وتنوع سبل الخيرات .
ولمقابلة تلك الأنوار للظلمات ، فيُذهب كلُّ نورٍ الظلمةَ التي تقابله .
وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : (اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي
نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا،
وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا،
وَخَلْفِي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي نُورًا)
رواه البخاري (6316) ، ومسلم (763) .
قال القاري رحمه الله :
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: " ... التَّحْقِيقُ فِي مَعْنَاهُ: أَنَّ النُّورَ يُظْهِرُ
مَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِهِ، فَنُورُ السَّمْعِ مُظْهِرٌ
لِلْمَسْمُوعَاتِ، وَنُورُ الْبَصَرِ كَاشِفٌ لِلْمُبْصَرَاتِ، وَنُورُ الْقَلْبِ
كَاشِفٌ عَنِ الْمَعْلُومَاتِ، وَنُورُ الْجَوَارِحِ مَا يَبْدُو عَلَيْهَا مِنْ
أَعْمَالِ الطَّاعَاتِ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: مَعْنَى طَلَبِ النُّورِ لِلْأَعْضَاءِ عُضْوًا عُضْوًا: أَنْ
يَتَحَلَّى كُلُّ عُضْوٍ بِأَنْوَارِ الْمَعْرِفَةِ وَالطَّاعَةِ، وَيَتَعَرَّى
عَنْ ظُلْمَةِ الْجَهَالَةِ وَالضَّلَالَةِ، فَإِنَّ ظُلُمَاتِ الْجُمْلَةِ
مُحِيطَةٌ بِالْإِنْسَانِ مِنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ، وَالشَّيْطَانُ يَأْتِيهِ
مِنَ الْجِهَاتِ السِّتِّ بِالْوَسَاوِسِ وَالشُّبُهَاتِ، أَيِ: الْمُشَبَّهَاتُ
بِالظُّلُمَاتِ فَرَفْعُ كُلِّ ظُلْمَةٍ بِنُورٍ، قَالَ: وَلَا مُخَلِّصَ عَنْ
ذَلِكَ إِلَّا بِأَنْوَارٍ تَسْتَأْصِلُ شَأْفَةَ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ " انتهى من
"مرقاة المفاتيح" (3/ 905) .
فقول بعضهم : " الأنوار الإلهية " لا محظور فيه من حيث الأصل ؛ فإن أنوار أنواع
الهداية الربانية متعددة بتعددها .
إلا أنه اصطلاح لا يعرف عن السلف والأئمة إطلاقه على المساجد أو غيرها ، فلا نرى
تسمية المسجد به .
وينظر جواب السؤال رقم : (145607) .
والله أعلم .