الإجابة
الحمد لله
قال الله تعالى : ( وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا
لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ
عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا
يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ) الزخرف/ 33- 35 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" أَيْ : لَوْلَا أَنْ يَعْتَقِدَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الْجَهَلَةِ أَنَّ
إِعْطَاءَنَا الْمَالَ دَلِيلٌ عَلَى مَحَبَّتِنَا لِمَنْ أَعْطَيْنَاهُ ،
فَيَجْتَمِعُوا عَلَى الْكُفْرِ لِأَجْلِ الْمَالِ - هَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ
عَبَّاسٍ ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَالسُّدِّيِّ ، وَغَيْرِهِمْ- (لَجَعَلْنَا
لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ)
أَيْ: سَلَالِمَ وَدَرَجًا مِنْ فِضَّةٍ - قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ،
وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ: وَابْنُ زَيْدٍ، وَغَيْرُهُمْ- (عَلَيْهَا
يَظْهَرُونَ) ، أَيْ: يَصْعَدُونَ.
(وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا) أَيْ: أَغْلَاقًا عَلَى أَبْوَابِهِمْ (وَسُرُرًا
عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ) ، أَيْ: جَمِيعُ ذَلِكَ يَكُونُ فِضَّةً، (وَزُخْرُفًا) ،
أَيْ: وَذَهَبًا .
ثُمَّ قَالَ: (وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) أَيْ:
إِنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ الزَّائِلَةِ الْحَقِيرَةِ عِنْدَ
اللَّهِ تَعَالَى أَيْ: يُعَجِّلُ لَهُمْ بِحَسَنَاتِهِمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا
فِي الدُّنْيَا مَآكِلَ وَمَشَارِبَ، لِيُوَافُوا الْآخِرَةَ وَلَيْسَ لَهُمْ
عِنْدَ اللَّهِ حَسَنَةٌ يَجْزِيهِمْ بِهَا .
ثُمَّ قَالَ: (وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) أَيْ: هِيَ لَهُمْ
خَاصَّةً لَا يُشَارِكُهُمْ : فِيهَا أَحَدٌ غَيْرُهُمْ " انتهى من "تفسير ابن
كثير" (7/ 226-227) ، وانظر " تفسير السعدي " (ص765).
ثانيا :
العبرة من هذه الآيات : أنها وردت مورد الذم للحياة الدنيا ، فهي لا تزن عند الله
جناح بعوضة ، ولو شاء لأعطى الكافر منها كل ما يشتهي ، من هوانها عليه وهوانه عليه
سبحانه ، ولكنه برحمته لم يفتح عليهم أبواب الدنيا كلها ، لئلا يفتن الناس بذلك ،
فيتسارعوا في الكفر ، وينسوا الآخرة .
روى ابن أبي شيبة (7/105) بسند صحيح عن ابن مسعود قال : " إِنَّ اللَّهَ يُعْطِي
الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ , وَلَا يُعْطِي الْإِيمَانَ إِلَّا
مَنْ يُحِبُّ , فَإِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا أَعْطَاهُ الْإِيمَانَ " .
ولهذا كان الواجب على المسلم ، إذا كان في ضيق من الدنيا ، وهو يرى الكافر في سعة
منها : ألا يحزن ، بل يحسن الظن بالله ، وأن الله جل جلاله لم يمنعه الدنيا لهوانه
عليه ، ولم يعطها الكافر لكرامة له ؛ بل الأمر على العكس من ذلك .
روى البخاري (4913) ، ومسلم (1479) : " أن عمر رضي الله عنه دخل على رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وقد نام على حصير أثَّر في جنبه صلى الله عليه
وسلم ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ [جلد] حَشْوُهَا لِيفٌ ، قال عمر :
فَرَأَيْتُ أَثَرَ الحَصِيرِ فِي جَنْبِهِ فَبَكَيْتُ ، فَقَالَ : (مَا يُبْكِيكَ
؟) ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ
، وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ! فَقَالَ: ( أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ
الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ؟ ) ".
ثالثا :
لا نعلم سببا مخصوصا لنزول هذه الآيات الكريمة ، وإنما هي على نسق ما نزل من الآيات
في ذم الدنيا وذم أهلها ، وفي الحث على حرث الآخرة وأجرها ومنازلها وما أعد الله
فيها لأهلها من النعيم المقيم ، كما قال تعالى : (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا
إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) آل عمران/ 185، وقال تعالى : (وَمَا الْحَيَاةُ
الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ
يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) الأنعام/ 32.
أما قصة قارون ، فهي بيان عملي ، وبرهان واقعي ، على ما دلت عليه هذه الآيات وغيرها
، من ذم الدنيا ، وبطشها بأهلها الذين انشغلوا بها عن الحياة الآخرة ، وركنوا إليها
، فألهتهم وصرفتهم عن طاعة الله وعبادته .
وأن الدنيا إذا انفتحت على الناس بطروا وبغوا ، ونسوا شكر النعمة .
وأن الخوف من فتنتها : مما ينبغي أن يزهد فيها ، ويرغب في الآخرة ، ويحض على
استعمال النعمة في طاعة الله ، فإنه من تمام شكرها .
قال تعالى : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ
عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) القصص/ 83
.
وينظر للفائدة جواب السؤال
رقم : (175615) ، ورقم : (84091)
، (147234) .
والله تعالى أعلم .