الإجابة
الحمد لله
قال الله تعالى في صدر سورة الروم : ( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى
الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ
لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ
* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ )
الروم/1-5 .
1. ( غُلبت الروم ) أي : هُزمت الروم من الفرس ، وكان ذلك في أوائل النبوة ،
والرسول صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة ، وقعت معركة بين فارس والروم ، وكانت
نتيجتها أن انتصر الفرس على الروم .
قال ابن عاشور في " التحرير والتنوير " (8/42) : " وإسناد الفعل إلى المجهول ، لأن
الغرض هو الحديث على المغلوب لا على الغالب ، ولأنه قد عرف أن الذين غلبوا الروم هم
الفرس " انتهى .
2. ( في أدنى الأرض ) أي : أن الهزيمة وقعت في (أدنى) أي أقرب الأرض إلى الجزيرة
العربية ، وكانت المعركة في شمال الجزيرة العربية مع أطراف الشام . " تفسير القاسمي
" (8/4) .
3. ( وهم ) أي الروم . ( من بعد غلبهم ) أي هزيمتهم . ( سيغلبون ) أي : سينتصرون
على الفرس .
4. ( في بضع سنين ) أي : أن ذلك الانتصار سيتحقق في بضع سنوات .
والبِضع : " كناية عن عدد قليل لا يتجاوز العشرة " انتهى من " التحرير والتنوير "
(8/44) .
جاء في " تفسير القرطبي " (16/394) " قال الشعبي : فظهروا في تسع سنين .
وقال القشيري : المشهور في الروايات أن ظهور الروم كان في السابعة من غلبة فارس
للروم " انتهى .
5. ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ) وسبب فرح المؤمنين :
أولاً :
6. بانتصار الروم على الفرس , لأن الروم كانوا أهل كتاب , والفرس كانوا أهل وثنية ,
فالروم أقرب إلى المسلمين من الفرس من هذه الناحية .
وهذا الفرح هو في مقابلة فرح مشركي قريش حين انتصر الفرس على الروم أولاً , لنفس
السبب .
ثانيا :
أن انتصار الروم هو انتصار للنبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه دليل على صدق نبوته ،
إذ أخبر عن شيء مستقبل ، ووقع كما أخبر به ، فقد انتصر الروم على الفرس بعد أقل من
عشر سنوات .
ثالثا :
قيل : إن سبب فرح المؤمنين إنما كان بانتصارهم هم على مشركي قريش ، الذي وافق
انتصار الروم على الفرس ، إما في يوم بدر ، وإما في يوم الحديبية ، وهو ما اختاره
ابن القيم رحمه الله .
قال ابن القيم في " الفروسية " (1/208) " وَهَذِه الْغَلَبَة من الرّوم لفارس
كَانَت عَام الْحُدَيْبِيَة بِلَا شكّ ، وَمن قَالَ : كَانَت عَام وقْعَة بدر فقد
وهم ، لما ثَبت فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن أبي سُفْيَان أَن
هِرقل لما أظهره الله على فَارس ، مَشى من حمص إِلَى إيلياء شكرا لله ، فوافاه كتاب
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بإيلياء ، فَطلب من هُنَاكَ من
الْعَرَب فجِئ بِأبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب فَقَالَ لَهُ : إِنِّي سَائِلك عَن
هَذَا الرجل ... فَذكر الحَدِيث وَفِيه فَقَالَ : هَل يغدر؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَان
: لَا ، وَنحن الْآن فِي أَمَان مِنْهُ فِي مُدَّة مَا نَدْرِي مَا هُوَ صانع
فِيهَا . يُرِيد أَبُو سُفْيَان بالمدة صلح الْحُدَيْبِيَة ، وَكَانَ فِي ذِي
الْقعدَة سنة سِتّ بِلَا شكّ " انتهى .
وقال ابن عطية في " المحرر الوجيز " (4/328) " والنصر الذي يَفْرَحُ به
الْمُؤْمِنُونَ : يحتمل أن يشار فيه إلى نصر الروم على الفرس .. ويحتمل أن يشار فيه
إلى نصر يخص المؤمنين على عدوهم ، وهذا أيضا غيب ، أخبر به ، وأخرجه للوجود ، إما
يوم بدر ، وإما يوم بيعة الرضوان، ويحتمل أن يشار به إلى فرح المسلمين بنصر الله
إياهم : في أن صدق ما قال نبيهم ، من أن الروم ستغلب فارس ، فإن هذا ضرب من النصر
عظيم " انتهى .
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (23475)
.
والله أعلم .