الفتاوى

سورة الرحمن مكية عند جمهور الصحابة والتابعين
أفيدوني جزاكم الله خيرا: في المصحف سورة الرحمن مدنية إلا أني قرأت في السيرة أن ابن مسعود رضي الله عنه قرأها جهرا على صناديد قريش في ساحة البيت قبل الهجرة.

الإجابة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد اختلف في سورة الرحمن هل هي مكية أم مدنية؟ والراجح أنها مكية.  

ففي تفسير القرطبي مفسرا لهذه السورة: مكية كلها في قول الحسن و عروة بن الزبير و عكرمة و عطاء وجابر، وقال ابن عباس: إلا آية منها هي قوله تعالى يسأله من في السماوات والأرض الآية وهي ست وسبعون آية، وقال ابن مسعود و مقاتل هي مدنية كلها والقول الأول أصح لما روى عروة بن الزبير قال: أول من جهر بالقرآن بمكة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود وذلك أن الصحابة قالوا: ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر به قط، فمن رجل يسمعهموه ؟ فقال ابن مسعود أنا فقالوا: إنا نخشى عليك، وإنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه، فأبى ثم قام عند المقام فقال: بسم الله الرحمن الرحيم الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ  ثم تمادى رافعا بها صوته وقريش في أنديتها فتأملوا وقالوا ما يقول ابن أم عبد ؟ قالوا: هو يقول الذي يزعم محمد صلى الله عليه وسلم أنه أنزل عليه، ثم ضربوه حتى أثروا في وجهه، وصح أن النبي صلى الله قام يصلي الصبح بنخلة فقرأ سورة الرحمن ومر النفر من الجن فآمنوا به، وفي الترمذي عن جابر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا فقال: لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم كنت كلما أتيت على قوله فبأي آلاء ربكما تكذبان قالوا لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد، قال حديث غريب. وفي هذا دليل على أنها مكية والله أعلم. انتهى

وفي زاد المسير لابن الجوزي: سورة الرحمن وفي نزولها قولان أحدهما أنها مكية رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال الحسن وعطاء ومقاتل والجمهور إلا أن ابن عباس قال سوى آية وهي قوله يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  {الرحمن 29 } والثاني أنها مدنية رواه عطية عن ابن عباس وبه قال ابن مسعود. انتهى

وفي التحرير والتنوير لابن عاشور: وهي مكية في قول جمهور الصحابة والتابعين، وروى جماعة عن ابن عباس أنها مدنية نزلت في صلح القضية عندما أبى سهيل بن عمرو أن يكتب في رسم الصلح بسم الله الرحمن الرحيم.  ونسب إلى ابن مسعود أيضا أنها مدنية. وعن ابن عباس: أنها مكية سوى آية منها هي قوله يسأله من في السماوات والأرض كل هو في شأن. والأصح أنها مكية كلها وهي في مصحف ابن مسعود أول المفصل. انتهى.

هذا، وننبه إلى أن ما تقدم من المصادر ينسب إلى ابن مسعود القول بأن هذه السورة مدنية مع أن من رجح منهم أنها مكية استدل بقراءة ابن مسعود لها في مكة.

ومن هنا يحصل إشكال وهو كيف ينسب القول لابن مسعود أنها مدنية وهو الذي قرأها في مكة، والحقيقة أننا لم نجد من تعرض لهذا الإشكال.

والله أعلم.

 

 

Icon