الإجابة
الحمد لله
أولا :
ليس في كتاب ربنا - بحمده سبحانه - تناقض ، ولو كان فيه تناقض لسارع المنافقون
والكافرون بالنيل منه ، ولظفروا منه ببغيتهم ، وقد قال الله تعالى : ( أَفَلَا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا
فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) النساء/ 82 .
قال السعدي رحمه الله :
" يأمر تعالى بتدبر كتابه ، وهو التأمل في معانيه ، وتحديق الفكر فيه ...
ومن فوائد التدبر لكتاب الله : أنه بذلك يصل العبد إلى درجة اليقين والعلم بأنه
كلام الله ؛ لأنه يراه يصدق بعضه بعضا ، ويوافق بعضه بعضا . فترى الحكم والقصة
والإخبارات تعاد في القرآن في عدة مواضع ، كلها متوافقة متصادقة ، لا ينقض بعضها
بعضا ، فبذلك يعلم كمال القرآن وأنه من عند من أحاط علمه بجميع الأمور ، فلذلك قال
تعالى : ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) أي : فلما كان من
عند الله لم يكن فيه اختلاف أصلا " انتهى من " تفسير السعدي " (ص/189) .
ثانيا :
الآية الأولى التي يسأل عنها السائل ، يقول الله عز وجل : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ
وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ
قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ
صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرة/
155 – 157 .
فيخبر تَعَالَى أَنَّهُ يَبْتَلِي عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَيْ : يَخْتَبِرُهُمْ
وَيَمْتَحِنُهُمْ ، فَتَارَةً بِالسَّرَّاءِ ، وَتَارَةً بِالضَّرَّاءِ مِنْ خَوْفٍ
وَجُوعٍ ، ( وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ ) أَيْ : ذَهَابُ بَعْضِهَا ( وَالأنْفُسِ )
كَمَوْتِ الْأَصْحَابِ وَالْأَقَارِبِ وَالْأَحْبَابِ ( وَالثَّمَرَاتِ ) أَيْ :
لَا تُغِلّ الْحَدَائِقُ وَالْمَزَارِعُ كَعَادَتِهَا . فيَخْتَبِرُ اللَّهُ
عِبَادَهُ ، فَمَنْ صَبَرَ أَثَابَهُ اللَّهُ ، وَمَنْ قَنَطَ أَحَلَّ اللَّهُ بِهِ
عِقَابَهُ . وَلِهَذَا قَالَ : ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) .
انظر : " تفسير ابن كثير " (1/467-468) .
وانظر إجابة السؤال رقم : (1185) .
وأما الآية الثانية التي في
آخر سورة الملك فيقول الله عز وجل : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ
غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ) الملك/ 30 .
فيخبر سبحانه عن انفراده بالنعم ، لاسيما هذه النعمة العظيمة وهي نعمة الماء فقال :
( قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا ) أي : غائرا ذاهبا في الأرض إلى أسفل . ( فمن
يأتيكم بماء معين ) تشربون منه ، وتسقون أنعامكم وأشجاركم وزروعكم ؟ وهذا استفهام
بمعنى النفي ، أي : لا يقدر أحد على ذلك غير الله تعالى .
انظر : " تفسير ابن كثير " (8/183) ، " تفسير السعدي " (ص/878) .
وبعد معرفة تفسير الآيتين
يتبين أنه لا تناقض بينهما ، فإن الآية الأولى تتحدث عما يقدره الله تعالى من
البلاء على عباده ، ليعلم الشاكر والصابر منهم من القانط اليائس ، فيجازي كلا بما
عمل .
والآية الثانية تتحدث عن حاجة العباد إلى الله ، وأنهم لا يمكنهم الاستغناء عنه في
أي شيء من أمورهم ، حتى هذا الماء الذي يحصل عليه كل أحد وهو في متناول الجميع
صغيرا وكبيرا إذا أغاره الله في الأرض ، لم يقدر على استخراجه أحد ، ولو اجتمع الجن
والإنس ؛ لأنه نعمة من الله ونعم الله لا يملكها أحد غيره .
والله أعلم .