الفتاوى

الملائكة أجسام نورانية ، لا تقاس طبائعهم وأحوالهم بطبائع وأحوال البشر .
إذا كان للملائكة أحجام فلماذا تتنزل في يوم كان مقداره ألف سنة ؟

الإجابة


الحمد لله
أولا :
يقول الله عز وجل : ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) السجدة/ 5 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" أَيْ يَتَنَزَّلُ أَمْرُهُ مِنْ أَعْلَى السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَى تُخُومِ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ ، وَتُرْفَعُ الْأَعْمَالُ إِلَى دِيوَانِهَا فَوْقَ سَمَاءِ الدُّنْيَا وَمَسَافَةُ مَا بَيَّنَهَا وَبَيْنَ الْأَرْضِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ وَسُمْكُ السَّمَاءِ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ : النُّزُولُ مِنَ الْمَلَكِ فِي مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ وَصُعُودُهُ فِي مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَلَكِنَّهُ يَقْطَعُهَا فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ " انتهى من "تفسير ابن كثير" (6 /359) .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (1132) .

ثانيا :
روى مسلم (2996) عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ ) .

فالملائكة أجسام نورانية ، وليست - كما يزعم بعض الجهال - أرواحا بلا أجسام ، ولا هي أيضا : أنفس خيرة فارقت أجسادها ، أو قوى علوية ، أو معان سامية ، أو هي هذه الكواكب ، وغير ذلك من الأقوال الباطلة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الملائكة أجسام ، وليست أرواحا، بلا أجسام ، ولكن الله عز وجل حجبهم عنا، جعلهم عالما غيبيا، كما أن الجن أجسام ولكن الله عز وجل حجبهم فجعلهم عالما غيبيا.
وقد تظهر الملائكة في صورة إنسان ، كما جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة بصورة دحية الكلبي، ومرة بصورة رجل غريب لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه الصحابة ، وعليه ثياب بيض ، شعره أسود ، وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأشراطها " .
انتهى باختصار من " شرح رياض الصالحين " (4/ 392-393) .
وقال الشيخ أيضا :
" الملائكة أجسام بلا شك ، كما قال الله عزّ وجل : ( جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ) فاطر/1 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أطت السماء ) والأطيط: صرير الرحل ، أي إذا كان على البعير حمل ثقيل ، تسمع له صريراً من ثقل الحمل ، ويدل لهذا حديث جبريل عليه السلام : أن له ستمائة جناح قد سد الأفق ، والأدلة على هذا كثيرة .
وأما من قال: إنهم أرواح لا أجسام لهم ، فقوله منكر وضلال، وأشد منه نكارةً من قال: إن الملائكة كناية عن قوى الخير التي في نفس الإنسان ، والشياطين كناية عن قوى الشر، فهذا من أبطل الأقوال " .
انتهى مختصرا من " شرح الأربعين النووية " (ص 61-62) ، وينظر : " مجموع فتاوى ورسائل العثيمين " (5/ 118-119) .
وقال الشيخ عمر الأشقر رحمه الله :
" ولما كانت الملائكة أجساماً نورانيَّة لطيفة ؛ فإن العباد لا يستطيعون رؤيتهم ، خاصة أن الله لم يُعطِ أبصارنا القدرة على هذه الرؤية ، ولم يرَ الملائكةَ في صُوَرهم الحقيقية من هذه الأمَّة إلا الرسول صلى الله عليه وسلَّم ؛ فإنه رأى جبريل مرتين في صورته التي خلَقه الله عليها ، وقد دلَّت النصوص على أن البشر يستطيعون رؤية الملائكة إذا تمثَّلت الملائكة في صورة البشر " انتهى من "عالَم الملائكة الأبرار" (ص 11) .

والخلاصة :
أن الملائكة عليهم السلام خلقوا من نور ، فهم أجسام نورانية ، ليست على طبيعة البشر ، يقومون على طاعة الله عز وجل وعبادته ، ولا تقاس أفعالهم وطبائعهم وأحوالهم بأفعال وطبائع وأحوال البشر ، فهم يتنزلون بالأمر من أمر ربهم ويعرجون إليه في لحظة ، وذلك في حساب بني آدم : كألف سنة مما يعدون .
وهذا من علم الغيب الذي يجب علينا أن نؤمن به ونسلم فيه لله رب العالمين .
ثم ، لا ندري ما وجه التعارض بين أن تكون الملائكة : أجساما ، وأحجاما ، أو : حتى لا تكون كذلك ، وبين أن تتنزل في يوم كان مقداره ألف سنة ، فلا كونها أجساما يمنع ذلك التنزل ، ولا عدم كونها كذلك يمنعه ، أو يوجبه أيضا .
والذي ينبغي على العبد أن يبحث عما ينفعه في دينه ، ويسأل عنه .
وينظر للفائدة : كتاب : " عالم الملائكة الأبرار " ، للشيخ عمر سليمان الأشقر ، رحمه الله ، ففيه أشياء كثيرة نافعة في هذا الباب .

والله تعالى أعلم .

Icon