الإجابة
الحمد لله
أولا :
دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الناس يوم القيامة فريقان : فريق يأخذ كتابه بيمينه
، وهم أهل الإيمان ، وفريق يأخذ كتابه بشماله ، وهم أهل الكفران .
وقد سبق في إجابة السؤال رقم : (52887) أن الراجح أن عصاة الموحدين ، الذين يدخلون
النار بذنوبهم ثم يخرجون منها ، يأخذون كتبهم بأيمانهم ، ولا يأخذ كتابه بشماله إلا
الكافر المخلد في النار .
وهذا عند تطاير الصحف ، ثم يكون بعد ذلك الحساب والمجازاة .
فكل مسلم مات على التوحيد يتناول كتابه بيمينه ، وهذا هو سرّ فرحه ، ولكن ذلك لا
يمنع أن يعذب الله بعض عصاة الموحدين في النار بذنوبهم ، وإن تناولوا كتبهم
بأيمانهم .
سئل الشيخ صالح آل الشيخ - حفظه الله - :
هل العاصي يُعْطَى كتابه بيمينه أم بشماله ؟
فأجاب : " العاصي يُعْطَى كتابه بيمينه ، أما الذي يُعْطَى كتابه يوم القيامة
بشماله فهو الكافر ، يُعْطَى كتابه بشماله وراء ظهره ، أما المؤمن فيُعْطَى كتابه
باليمين سواءٌ أكَانَ من السابقين ، أم من المقتصدين ، أم ممن ظلم نفسه ، ثم يأتي
بعد ذلك الحساب والوزن ، ثم تأتي الْمُجَازاة " انتهى من " شرح الطحاوية " (ص 686)
بترقيم الشاملة .
وسئل الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - :
هل المسلم العاصي يأخذ كتابه بشماله أم بيمينه ؟
فأجاب :
" المسلم العاصي يأخذ كتابه بيمينه ، لكن ولو أخذ كتابه بيمينه قد يعذب بسيئاته ،
لكن لا يخلد في النار كما يخلد الكافر "
http://alfawzan.af.org.sa/node/8786
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (1/725-727) : " مذهب أهل السنة والجماعة أنه من
مات على الإيمان يتناول كتابه بيمينه ولو كان مرتكبا للكبائر ، وأن من مات على
الكفر - والعياذ بالله - يتناول كتابه بشماله من وراء ظهره ، وهو بذلك يمثل هيئة
الفاتر المتألم الكاره لما يتناوله ، ولكن لا بد من تناوله ، وهذا هو الذي دلت عليه
النصوص ، فإنها لم يذكر فيها بالنسبة لتناول الكتاب إلا مؤمن ولو مطلق الإيمان ،
وكافر وإن اختلف نوع كفره أو تفاوتت درجته ، وقوله تعالى : ( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ
كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا ) الآيات.. هي في الكافر
كفرا يخرج عن ملة الإسلام ، لخبر الله عنه بأنه لا يؤمن بالآخرة ، في قوله سبحانه
آخر هذه الآيات : ( إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ ) أي : يرجع إلى ربه للحساب
والجزاء ، ولا منافاة بين خبر الله تعالى عن الكافر مرة بأنه يؤتى كتابه من وراء
ظهره ، وأخرى بأنه يؤتى كتابه بشماله ؛ لإمكان الجمع بينهما بأخذه كتاب عمله بشماله
من وراء ظهره كما تقدم ، فإحدى الآيتين في بيان العضو الذي يتناول صحيفة العمل ،
والأخرى في صفة التناول وهيئته ..
وبالله التوفيق . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز . الشيخ عبد الرزاق عفيفي . الشيخ عبد الله بن
قعود . الشيخ عبد الله بن غديان .
ثانيا :
قوله تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ
حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ) الانشقاق/ 7 – 9 .
هذا وصف حال أهل الإيمان البررة الأتقياء ، يؤتون كتبهم بأيمانهم ، ويحاسبون حسابا
يسيرا ، ثم يدخلون الجنة مسرورين سعداء بما آتاهم الله من الخير والكرامة .
وهم في ذلك السرور بحسب أعمالهم ، فأفضلهم عملا أشدهم سرورا ، وأشدهم فرحا بكتابه
وبما فيه ، وأسعدهم بقول الله تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ
بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي
مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ *
قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي
الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ) الحاقة/ 19 - 24 .
أما الموحد العاصي الذي يدخل النار بذنوبه ثم يخرج منها ، فله من هذا الفضل نصيبه
الذي يناسبه ، ففرحه وسروره بحسب عمله ، وما وجده في كتابه ، وكونه مات على التوحيد
، فهو يعلم أنه ليس من الكافرين المخلدين في النار ، ولذلك يفرح ، ولكن أين يقع
فرحه من فرح أهل التقوى والصلاح ؟ ولا مانع من أن يقع فرحه فيعقبه حزن ثم يعقبه فرح
. يأخذ كتابه بيمينه فيفرح ، ثم يعذب بذنبه فيحزن ، ثم يدخل الجنة برحمة الله فيفرح
. بخلاف البررة الأتقياء الذين يفرحون ولا يحزنون ، ويرحمون ولا يعذبون .
وهذا كما أن أهل الجنة يتفاضلون في أشياء كثيرة ، في منازلهم في الجنة بحسب أعمالهم
، كما روى البخاري (3256) ، ومسلم (2831) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : (
إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ ، كَمَا
يَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ فِي الأُفُقِ ، مِنَ المَشْرِقِ
أَوِ المَغْرِبِ ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ ) .
فأصحاب الجنة يتفاضلون في كل شيء ، في الحساب ، وفي تناول الصحف ، وفي الفرح بها
وبما فيها من العمل ، وفي درجات الجنة ، كل بحسب عمله ، وبحسب ما تفضل الله به عليه
.
فالمؤمن العاصي يأخذ كتابه بيمينه ، ويحاسب حسابا يسيرا ، وينقلب إلى أهله مسرورا ،
هذا حاله في الجملة ، ولا يمنع ذلك من أن يصيبه ما يصيبه من عذاب الله بذنوبه ،
فهذه الآيات إنما تحدثت عن دخوله الجنة وفرحه ، ولم تتعرض لما يصيبه عند موته ، وفي
قبره ، وفي الموقف قبل تطاير الصحف ووضع الموازين .
ومن كان مصيره الجنة - أصابه قبل ذلك ما يصيبه - فلا شك أنه من الفرحين المسرورين .
والله أعلم .