الفتاوى

من يأخذ كتابه بيمينه هل يدخل النار ؟
نعلم أنه في أرض المحشر هناك من يأخذ كتابه بيمينه ، وهناك من يأخذ كتابه بشماله ، ونعلم أن من أخذ كتابه بيمينه فقد أفلح ، ونعلم أيضاً أن من الناس من لا يدخل الجنة إلا بعد عذاب في جهنم ، فهذا الذي دخل الجنة بعد عذاب ، هل كان ممن أخذ كتابه بيمينه أو بشماله ؟ وهل ممن يأخذ كتابه بيمينه يدخل النار ويُعذب فيها قبل أن يدخل الجنة ، إن كان الجواب بنعم .. فما سر فرحه ، وهو يقول للناس : هاؤم اقرءوا كتابيه ؟ مَنْ دخل النار من عصاة الموحدين : هل يكون ممن يأخذ كتابه بيمينه ، وينقلب إلى أهله مسرورا ؟

الإجابة


الحمد لله
أولا :
دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الناس يوم القيامة فريقان : فريق يأخذ كتابه بيمينه ، وهم أهل الإيمان ، وفريق يأخذ كتابه بشماله ، وهم أهل الكفران .
وقد سبق في إجابة السؤال رقم : (52887) أن الراجح أن عصاة الموحدين ، الذين يدخلون النار بذنوبهم ثم يخرجون منها ، يأخذون كتبهم بأيمانهم ، ولا يأخذ كتابه بشماله إلا الكافر المخلد في النار .
وهذا عند تطاير الصحف ، ثم يكون بعد ذلك الحساب والمجازاة .
فكل مسلم مات على التوحيد يتناول كتابه بيمينه ، وهذا هو سرّ فرحه ، ولكن ذلك لا يمنع أن يعذب الله بعض عصاة الموحدين في النار بذنوبهم ، وإن تناولوا كتبهم بأيمانهم .
سئل الشيخ صالح آل الشيخ - حفظه الله - :
هل العاصي يُعْطَى كتابه بيمينه أم بشماله ؟
فأجاب : " العاصي يُعْطَى كتابه بيمينه ، أما الذي يُعْطَى كتابه يوم القيامة بشماله فهو الكافر ، يُعْطَى كتابه بشماله وراء ظهره ، أما المؤمن فيُعْطَى كتابه باليمين سواءٌ أكَانَ من السابقين ، أم من المقتصدين ، أم ممن ظلم نفسه ، ثم يأتي بعد ذلك الحساب والوزن ، ثم تأتي الْمُجَازاة " انتهى من " شرح الطحاوية " (ص 686) بترقيم الشاملة .
وسئل الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - :
هل المسلم العاصي يأخذ كتابه بشماله أم بيمينه ؟
فأجاب :
" المسلم العاصي يأخذ كتابه بيمينه ، لكن ولو أخذ كتابه بيمينه قد يعذب بسيئاته ، لكن لا يخلد في النار كما يخلد الكافر "
http://alfawzan.af.org.sa/node/8786
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (1/725-727) : " مذهب أهل السنة والجماعة أنه من مات على الإيمان يتناول كتابه بيمينه ولو كان مرتكبا للكبائر ، وأن من مات على الكفر - والعياذ بالله - يتناول كتابه بشماله من وراء ظهره ، وهو بذلك يمثل هيئة الفاتر المتألم الكاره لما يتناوله ، ولكن لا بد من تناوله ، وهذا هو الذي دلت عليه النصوص ، فإنها لم يذكر فيها بالنسبة لتناول الكتاب إلا مؤمن ولو مطلق الإيمان ، وكافر وإن اختلف نوع كفره أو تفاوتت درجته ، وقوله تعالى : ( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا ) الآيات.. هي في الكافر كفرا يخرج عن ملة الإسلام ، لخبر الله عنه بأنه لا يؤمن بالآخرة ، في قوله سبحانه آخر هذه الآيات : ( إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ ) أي : يرجع إلى ربه للحساب والجزاء ، ولا منافاة بين خبر الله تعالى عن الكافر مرة بأنه يؤتى كتابه من وراء ظهره ، وأخرى بأنه يؤتى كتابه بشماله ؛ لإمكان الجمع بينهما بأخذه كتاب عمله بشماله من وراء ظهره كما تقدم ، فإحدى الآيتين في بيان العضو الذي يتناول صحيفة العمل ، والأخرى في صفة التناول وهيئته ..
وبالله التوفيق . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز . الشيخ عبد الرزاق عفيفي . الشيخ عبد الله بن قعود . الشيخ عبد الله بن غديان .
ثانيا :
قوله تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ) الانشقاق/ 7 – 9 .
هذا وصف حال أهل الإيمان البررة الأتقياء ، يؤتون كتبهم بأيمانهم ، ويحاسبون حسابا يسيرا ، ثم يدخلون الجنة مسرورين سعداء بما آتاهم الله من الخير والكرامة .
وهم في ذلك السرور بحسب أعمالهم ، فأفضلهم عملا أشدهم سرورا ، وأشدهم فرحا بكتابه وبما فيه ، وأسعدهم بقول الله تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ) الحاقة/ 19 - 24 .
أما الموحد العاصي الذي يدخل النار بذنوبه ثم يخرج منها ، فله من هذا الفضل نصيبه الذي يناسبه ، ففرحه وسروره بحسب عمله ، وما وجده في كتابه ، وكونه مات على التوحيد ، فهو يعلم أنه ليس من الكافرين المخلدين في النار ، ولذلك يفرح ، ولكن أين يقع فرحه من فرح أهل التقوى والصلاح ؟ ولا مانع من أن يقع فرحه فيعقبه حزن ثم يعقبه فرح . يأخذ كتابه بيمينه فيفرح ، ثم يعذب بذنبه فيحزن ، ثم يدخل الجنة برحمة الله فيفرح . بخلاف البررة الأتقياء الذين يفرحون ولا يحزنون ، ويرحمون ولا يعذبون .
وهذا كما أن أهل الجنة يتفاضلون في أشياء كثيرة ، في منازلهم في الجنة بحسب أعمالهم ، كما روى البخاري (3256) ، ومسلم (2831) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ( إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ ، كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ فِي الأُفُقِ ، مِنَ المَشْرِقِ أَوِ المَغْرِبِ ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ ) .
فأصحاب الجنة يتفاضلون في كل شيء ، في الحساب ، وفي تناول الصحف ، وفي الفرح بها وبما فيها من العمل ، وفي درجات الجنة ، كل بحسب عمله ، وبحسب ما تفضل الله به عليه .
فالمؤمن العاصي يأخذ كتابه بيمينه ، ويحاسب حسابا يسيرا ، وينقلب إلى أهله مسرورا ، هذا حاله في الجملة ، ولا يمنع ذلك من أن يصيبه ما يصيبه من عذاب الله بذنوبه ، فهذه الآيات إنما تحدثت عن دخوله الجنة وفرحه ، ولم تتعرض لما يصيبه عند موته ، وفي قبره ، وفي الموقف قبل تطاير الصحف ووضع الموازين .
ومن كان مصيره الجنة - أصابه قبل ذلك ما يصيبه - فلا شك أنه من الفرحين المسرورين .
والله أعلم .

Icon