الإجابة
الحمد لله
يقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ
تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) هود:/ 112.
قال ابن جرير رحمه الله :
" يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فاستقم أنت ، يا محمد ، على أمر
ربك ، والدين الذي ابتعثك به ، والدعاء إليه ، كما أمرك ربك ، ومن رجع معك إلى طاعة
الله والعمل بما أمره به ربه من بعد كفره ، ولا تعدوا أمره إلى ما نهاكم عنه ، إن
ربكم بما تعملون من الأعمال كلِّها - طاعتها ومعصيتها - ذو علم بها ، لا يخفى عليه
منها شيء ، وهو لجميعها مبصرٌ ، فاتقوا الله ، أيها الناس ، أن يطَّلع عليكم ربكم
وأنتم عاملون بخلاف أمره ، فإنه ذو علم بما تعلمون ، وهو لكم بالمرصاد " انتهى
باختصار يسير من "تفسير الطبري" (15 /499) .
وقال ابن كثير رحمه الله :
" يأمر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة ، وذلك من أكبر
العون على النصر على الأعداء ومخالفة الأضداد ونهى عن الطغيان : وهو البغي ، فإنه
مَصرَعة حتى ولو كان على مشرك ، وأعلم تعالى أنه بصير بأعمال العباد ، لا يغفل عن
شيء ، ولا يخفى عليه شيء " انتهى من "تفسير ابن كثير" (4 /354) .
وقد جاء ذلك بعد ذكر الله عز
وجل حال السعداء وحال الأشقياء ، وبعد قوله تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم :
( فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا
يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ
مَنْقُوصٍ * وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا
كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ
مِنْهُ مُرِيبٍ * وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ
إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) هود/ 109 – 111 .
فلما أخبر الله تعالى بحال الفريقين ، وأخبر بكفر أولئك الذين يعبدون الأصنام من
دون الله ، وعدم استقامة هؤلاء الذين اختلفوا في الكتاب فتفرقوا وتحزبوا ، " أمر
نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، ومن معه من المؤمنين، أن يستقيموا كما أمروا،
فيسلكوا ما شرعه الله من الشرائع ، ويعتقدوا ما أخبر الله به من العقائد الصحيحة،
ولا يزيغوا عن ذلك يمنة ولا يسرة ، ويدوموا على ذلك ، ولا يطغوا بأن يتجاوزوا ما
حده الله لهم من الاستقامة " .
انتهى من "تفسير السعدي" (ص 390) .
ولم نقف لهذه الآية على قصة
معينة نزلت بسببها ، لكن دل سياق الآيات على أن معنى الآية مفرع على ما تقدم من ذكر
حال السعداء والأشقياء ، وذكر حال المشركين والذين اختلفوا في الكتاب ، فجاءت
توجيها للنبي صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه إلى الاستقامة وعدم الاعوجاج ومجاوزة
الحد ؛ ولذلك جاء بالفاء في قوله : ( فاستقم ) وهي للتفريع على ما تقدم .
وحاصل ذلك : لقد علمت - أيها الرسول الكريم - حال السعداء وحال الأشقياء ، وأخبرناك
بحال المشركين وحال الذين اختلفوا في الكتاب ، وأعلمناك أن كل مكلف سيوفى جزاء عمله
، فالزم أنت ومن معك من المؤمنين طريق الاستقامة على الحق ، وداوموا على ذلك كما
أمركم الله ، بدون إفراط أو تفريط ، واحذروا أن تتجاوزوا حدود الاعتدال في كل
أقوالكم وأعمالكم ، ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ؛
حتى تكونوا من الذين سعدوا ، ولا تكونوا من الأشقياء .
ولذلك لما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَخْبِرْنِي أَمْرًا فِي الْإِسْلَامِ لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ ،
قَالَ: ( قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ ) .
رواه أحمد (14991) والترمذي (2410) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
والله أعلم .