الإجابة
الحمد لله
تقدم في إجابة السؤال رقم (10382) بيان إباحة التسري ووطء الإماء بالكتاب والسنة
والإجماع ، وأن ذلك معروف من فعل الأنبياء والصالحين ، وأنه لا يجوز لأحد أن يخالف
في ذلك أو أن يطعن فيه بوجه بعد الإطباق على ثبوته وإقراره في دين الله .
ثانيا :
يقول الله عز وجل في سور المائدة : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ
وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ
مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ) المائدة/ 5 .
فقوله تعالى : ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ )
أي : أحل لكم نكاح المحصنات ، وهن الحرائر العفيفات من المؤمنات ، والحرائر
العفيفات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم أي: من اليهود والنصارى .
"تفسير السعدي" (ص 221) .
والاستدلال بهذه الآية على نسخ إباحة التسري بدعوى أنها آخر ما نزل من القرآن ،
وليس فيها إلا إباحة وطء المحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب
بالزواج ، قول باطل مخالف لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأمة .
ويمكن تلخيص بيان أن الآية لا تدل على ذلك فيما يلي :
أولا :
أن الآية إنما تتكلم عن النكاح الذي هو الزواج ، ولم تتعرض للتسري بوجه ، وإنما
يستفاد حكمه من الأدلة الأخرى ، وهي معروفة في موضعها.
فقول السائل : ليس هناك ذكر لملك اليمين ، هو عين ما نحتج به على أن ملك اليمين باق
على الأصل ، لأن الآية إنما تتكلم عن الزواج ، فالمرأة إنما توطأ بالزواج أو بملك
اليمين ، وأحكام النكاح ليست كأحكام التسري كما هو معلوم .
ثانيا :
أن هذا القول مخالف لإجماع الأمة وفعل خيارها من الصحابة والتابعين فمن بعدهم دون
مخالف واحد منهم ، فلم يزل الصحابة والتابعون يجاهدون في سبيل الله ويتسرون بالإماء
، ولا نعلم عن واحد منهم أنه توقف في ذلك .
ثالثا :
سميت سورة النساء بهذا الاسم لكثرة ما ورد بها من أحكام النساء ؛ وقد جاء فيها ذكر
ملك اليمين في عدة آيات بذكر بعض الأحكام التي تخص ملك اليمين ، فلو كان لهذا
الكلام أصل لورد ذكره في هذه السورة التي اعتنت بذكر أحكام النساء أكثر من غيرها من
سور الكتاب المجيد . قال تعالى : ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً
أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ) النساء/ 3،
وقال تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ
الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ
فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ) النساء/ 25 ، إلى قوله : ( فَإِذَا أُحْصِنَّ
فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ
الْعَذَابِ ) النساء/ 25 ، وقال سبحانه : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا
بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ
بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا
يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ) النساء/ 36 .
رابعا :
قال الله عز جل مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم :
( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ
أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ
عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي
هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ
أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ
قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا
رَحِيمًا ) الأحزاب/ 50؛ أفيعقل أن يأتي النص الصريح في حل ملك اليمين للنبي صلى
الله عليه وسلم وتعداد ما أحل الله له على التفصيل ، ثم لا يذكر الله عز وجل له في
كتابه أنه نسخ حل ذلك له ولغيره من المؤمنين ولا في آية واحدة ، مع كثرة ما ورد في
القرآن من ذكر ملك اليمين وذكر ما يخصهن من الأحكام ؟!
والواقع أن النصوص في ذلك كثيرة جدا ، وفيما مضى إشارة إلى ما يكفي منها ، وقد تواترت الأدلة الشرعية من نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، إجماعا علميا وعمليا ، على أن ذلك تشريع محكم ، لم ينسخ منه شيء .
والله أعلم .