الإجابة
الحمد لله
أولا :
قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا
بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا
لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ
تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) النور/
4، 5 .
ذكرت الآية المحصنات من النساء ولم تذكر الرجال ، وقد أجمع العلماء على أن قذف
الرجال داخل في حكم الآية .
قال ابن كثير رحمه الله :
" هذه الآية الكريمة فيها بيان حكم جلد القاذف للمحصنة ، وهي الحرة البالغة العفيفة
، فإذا كان المقذوف رجلا فكذلك يجلد قاذفه أيضا ، ليس في هذا نزاع بين العلماء " .
انتهى "تفسير ابن كثير" (6 /13) .
ثانيا :
أما الجواب عن الآية في ذكر النساء فقط دون الرجال : فللعلماء عن ذلك أجوبة متعددة
:
- فقيل : إنما ذكر النساء دون الرجال لأن قذفهن أكثر وأشنع .
قال ابن جزي رحمه الله :
" والمحصنات يراد بهن هنا العفائف من النساء ، وخصهن بالذكر لأن قذفهن أكثر وأشنع
من قذف الرجال ، ودخل الرجال في ذلك بالمعنى ، إذ لا فرق بينهم ، وأجمع العلماء على
أن حكم الرجال والنساء هنا واحد " انتهى من "التسهيل" (ص 1214) .
وينظر:"فتح القدير" للشوكاني (4 /11) و"تفسير الثعالبي" (3 /109) .
- وقيل : المراد بالمحصنات
في الآية (الأنفس المحصنات) ؛ فتعم بذلك الرجال والنساء .
قال ابن حزم رحمه الله :
" قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : بَلْ نَصُّ الْآيَةِ عَامٌّ لِلرِّجَالِ
وَالنِّسَاءِ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى النُّفُوسَ الْمُحْصَنَاتِ ،
قَالُوا : وَبُرْهَانُ هَذَا الْقَوْلِ وَدَلِيلُ صِحَّتِهِ قَوْلُ اللَّهِ
تَعَالَى فِي مَكَان آخَرَ ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ ) قَالُوا : فَلَوْ
كَانَتْ لَفْظَةُ " الْمُحْصَنَاتُ " لَا تَقَعُ إلَّا عَلَى النِّسَاءِ ، لَمَا
كَانَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى " مِنْ النِّسَاءِ " مَعْنًى ، وَحَاشَ لِلَّهِ
مِنْ هَذَا ، فَصَحَّ أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ يَقَعُ عَلَى النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ ،
فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى مُرَادَهُ هُنَالِكَ بِأَنْ قَالَ " مِنْ النِّسَاءِ "
، وَأَجْمَلَ الْأَمْرَ فِي آيَةِ الْقَذْفِ إجْمَالًا ، قَالَ ابن حزم رحمه الله :
وَهَذَا جَوَابٌ حَسَنٌ " .
انتهى من "المحلى" (12/227-228) .
وينظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (12 /172) ، و"التسهيل" لابن جزي (ص 1214) .
- وقيل : تخصيص النساء هنا لخصوص الواقعة ، ومراعاة قصة كانت سبب نزول الآية ، ثم
يكون الحكم بالعلة الجامعة والمعنى المشترك الذي يمنع تخصيص النساء دون الرجال .
قال الألوسي رحمه الله :
" والظاهر أن المراد النساء المحصنات ، وعليه يكون ثبوت وجوب جلد رامي المحصن
بدلالة النص ، للقطع بإلغاء الفارق ، وهو صفة الأنوثة ، واستقلال دفع عار ما نسب
إليه بالتأثير ؛ بحيث لا يتوقف فهمه على ثبوت أهلية الاجتهاد ، وكذا ثبوت وجوب جلد
رامية المحصن أو المحصنة بتلك الدلالة ، وإلا فالذين يرمون للجمع المذكر ، وتخصيص
الذكور في جانب الرامي ، والإناث في جانب المرمي ، لخصوص الواقعة " انتهى .
"تفسير الألوسي" (13 /327) . وينظر : "التحرير والتنوير" لابن عاشور (18 /159) .
والله تعالى أعلم .
يراجع جواب السؤال رقم : (129774) .