الإجابة
الجواب :
الحمد لله
لا بأس أن يخص المسلم سورة من كتاب الله بمزيد عناية ، من تلاوة واستماع وتفسير
ونحو ذلك لما تشتمل عليه من أحكام أو ترغيب وترهيب ونحوه ، دون أن يؤدي ذلك إلى هجر
بقية القرآن وإهمال تلاوته ، ما دام ذلك يعتمد على اعتبارات خاصة ، من فهم زائد
لمعاني السورة ، أو تأثر بمضمونها ، أو نحو ذلك ، ولم يكن اعتقادا لفضيلة خاصة بها
، لم يثبت الشرع بها .
وفي الحديث عند الترمذي (3297) وحسنه قوله صلى الله عليه وسلم : ( شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَالْوَاقِعَةُ وَالْمُرْسَلَاتُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
وعند النسائي (1010) عن أبي
ذَرٍّ قال : قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا
أَصْبَحَ بِآيَةٍ ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ
لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) حسنه الألباني في "صحيح النسائي"
.
وروى أبو نعيم في "الحلية" (2/55) بسند صحيح عن عروة بن الزبير قال : " دخلت على
أسماء بنت أبي بكر وهي تصلي فسمعتها وهي تقرأ هذه الآية ( فَمَنَّ اللَّهُ
عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ) فاستعاذت ، فقمت وهي تستعيذ ، فلما طال
علىّ أتيت السوق ثم رجعت وهي في بكائها تستعيذ ".
وروى ابن سعد في "الطبقات" (7/150) عن بهز بن حكيم : " أن زرارة بن أوفى أمّهم الفجر في مسجد بني قشير فقرأ حتى إذا بلغ ( فإذا نقر في الناقور* فذلك يومئذ يوم عسير * على الكافرين غير يسير ) خرّ ميتا ، قال بهز : فكنت فيمن حمله " .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين
رحمه الله :
ما حكم تفضيل سورة على أخرى وخاصة أنني أحب أن أقرأ سورة مريم مثلاً أحياناً ؛
لأنني أحس براحة واستمتاع عند قراءتها ؟
فأجاب : " لا حرج أن يفضل الإنسان سورة من القرآن على سورة أخرى لأي سبب من الأسباب
؛ وإلا فالكل كلام الله عز وجل ، فالقرآن من حيث المتكلم به وهو الله سبحانه وتعالى
لا يتفاضل ، أما من حيث ما يشتمل عليه من المعاني الجليلة العظيمة فإنه يتفاضل .
ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( إن أعظم سورة في كتاب الله سورة الفاتحة
وإن أعظم آية في كتاب الله آية الكرسي ) .
وكان أحد الصحابة قد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية ، فكان يقرأ القرآن
لأصحابه ، ويختتم بسورة الإخلاص ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( سلوه لأي شيء
كان يصنع ذلك ) فقال : لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأها ، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم ( أخبروه أن الله يحبه ) .
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( إن سورة الإخلاص تعادل ثلث القرآن ) ، فإذا كان
هذا السائل يحب قراءة سورة مريم لما فيها من القصص العظيمة النافعة ، ولما فيها من
ذكر الجزاء في اليوم الآخر ، والإنكار على من كذب بآيات الله وكفر بها ، وأعجب بما
أعطاه الله من المال ، وما إلى ذلك من المعاني ، فإن هذا لا بأس به ، ولا حرج عليه
" .
انتهى من "فتاوى إسلامية" (4 /50) .
والمقصود أن من القرآن ما يكون تأثيره في القلب خوفا أو رجاءً أعظم مما سواه من الآيات والسور، فإذا انتفع القارئ بتلاوة ذلك ، واعتاده في المرة بعد المرة : فلا بأس به .
وإنما الممنوع من ذلك أن يرى
أن لسورة معينة ، أو آية معينة ، فضيلة دينية ، أو أن لمن قرأ ذلك كذا وكذا من
الأجر، دون أن يكون لذلك مستند من الوحي المنزل .
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله :
" ومن البدع التخصيص بلا دليل ، بقراءة آية ، أو سورة في زمان أو مكان أو لحاجة من
الحاجات ، وهكذا قصد التخصيص بلا دليل " انتهى من " بدع القراءة " (ص/14) .
ولمزيد الفائدة راجع إجابة السؤال رقم (131683)
.
والله أعلم .