الإجابة
الحمد لله
فضيلة الزواج من حافظ القرآن الكريم هي فضيلة الزواج من حامل ميراث النبوة ، فإذا
كان هذا الحافظ عاملا بما يحفظ ، فقد اجتمعت فيه خصال الخير كلها ؛ خير الباطن بما
يطوي بين جنبيه من كلام الله تعالى ، وخير الظاهر بالعمل الصالح والخلق الفاضل ؛
والله عز وجل يقول : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ
عِبَادِنَا ) فاطر/32، ويقول سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ
وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً
يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ. لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ
فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ) فاطر/29-30.
وكان مُطَرف رحمه الله إذا قرأ هذه الآية يقول : هذه آية القراء . انظر : " تفسير
القرآن العظيم " (6/545)
وقد سبق التوسع في بيان فضائل حافظ القرآن في موقعنا ، عند الأرقام الآتية : (1428)
، ()
فالزواج بمن هذا فضله وأجره لا شك أنه أرجى له أن يعود على الزوجة بالسعادة ، وعلى الأبناء بالنجابة والصلاح بإذن الله ، وعلى الأسرة كاملة بالرضى والقبول والطمأنينة .
غير أن ذلك كله مشروط بأن يكون حافظ القرآن عاملا بما
فيه ، متخلقا بأخلاقه ، متأدبا بآدابه ، متقيا لله عز وجل في جميع شأنه ، وهو الذي
ينبغي أن يكون محل بحث ونظر الشاب أو الفتاة عند الإقبال على الزواج ، وليس مجرد
الحفظ الذي يفتقر إلى العمل ، أو حفظ الكلمات والحروف الذي لا يؤثر في السلوك
والأخلاق ، فمثل هذا يحذر ويجتنب كي لا يغتر به ، كما نبه على ذلك ابن الجوزي في "
تلبيس إبليس " (137-140)، في فصلٍ عقده في ذكر تلبيس إبليس على القراء .
وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بحفظهم القرآن الكريم ، فعن سَهْل بْن
سَعْدٍ السَّاعِدِىَّ رضي الله عنه قال :
( إِنِّي لَفِي الْقَوْمِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، إِذْ
قَامَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ
نَفْسَهَا لَكَ ، فَرَ فِيهَا رَأْيَكَ . فَلَمْ يُجِبْهَا شَيْئًا . ثُمَّ قَامَتْ
فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَكَ ، فَرَ
فِيهَا رَأْيَكَ . فَلَمْ يُجِبْهَا شَيْئًا . ثُمَّ قَامَتِ الثَّالِثَةَ
فَقَالَتْ : إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَكَ ، فَرَ فِيهَا رَأْيَكَ .
فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْكِحْنِيهَا . قَالَ هَلْ
عِنْدَكَ مِنْ شَيءٍ ؟ قَالَ : لاَ . قَالَ : اذْهَبْ فَاطْلُبْ وَلَوْ خَاتَمًا
مِنْ حَدِيدٍ . فَذَهَبَ فَطَلَبَ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ : مَا وَجَدْتُ شَيْئًا
وَلاَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ . فَقَالَ : هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيءٌ ؟
قَالَ : مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا . قَالَ : اذْهَبْ فَقَدْ
أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ )
رواه البخاري (5149) في باب : التزويج على القرآن . ورواه مسلم (1425)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قال القاضي عياض : يحتمل قوله : ( بما معك من القرآن ) وجهين :
أظهرهما : أن يعلمها ما معه من القرآن أو مقدارا معينا منه ويكون ذلك صداقها ، وقد
جاء هذا التفسير عن مالك ، ويؤيده قوله في بعض طرقه الصحيحة : ( فعلمها من القرآن )
ويحتمل أن تكون الباء بمعنى اللام ، أي : لأجل ما معك من القرآن ، فأكرمه بأن زوجه
المرأة بلا مهر لأجل كونه حافظا للقرآن أو لبعضه .
ونظيره قصة أبي طلحة مع أم سليم ، وذلك فيما أخرجه النسائي وصححه من طريق جعفر بن
سليمان ، عن ثابت ، عن أنس قال : ( خطب أبو طلحة مع أم سليم ، فقالت : والله ما
مثلك يرد ، ولكنك كافر وأنا مسلمة ولا يحل لي أن أتزوجك ، فإن تُسلم فذاك مهري ،
ولا أسألك غيره ، فأسلم ، فكان ذلك مهرها )
وأخرج النسائي من طريق عبد الله بن عبيد الله بن أبي طلحة عن أنس قال : ( تزوج أبو
طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الإسلام ) فذكر القصة وقال في آخره : فكان ذلك
صداق ما بينهما . ترجم عليه النسائي : " التزويج على الإسلام " ، ثم ترجم على حديث
سهل " التزويج على سورة من القرآن " فكأنه مال إلى ترجيح الاحتمال الثاني " انتهى
باختصار من " فتح الباري " (9/212-213).
ومع ما ذكرناه سابقا ، فلا نعلم حديثا أو أثرا خاصا يذكر فضل من تزوج بحامل القرآن : أن له كذا أو كذا من الأجر أو الوعد بالفضل ونحو ذلك .
والله أعلم .