الإجابة
الحمد لله
أجمع العلماء على أنه ليس في القرآن " كلام مركب من ألفاظ أعجمية " يعطي معنى من
هذا التركيب .
وأجمعوا على أن في القرآن " أسماء أعلام أعجمية " مثل : نوح ، ولوط ، وإسرائيل ،
وجبريل .
قال القرطبي - رحمه الله - في " مقدمة تفسيره " :
لا خلاف بين الأئمة أنه ليس في القرآن كلام مركب على أساليب غير العرب ، وأن في
القرآن أسماء أعلاماً لمن لسانه غير لسان العرب كإسرائيل وجبريل وعمران ونوح ولوط .
" تفسير القرطبي " ( 1 / 68 )
.
واختلفوا : هل فيه " ألفاظ أعجمية مفردة " ؟ .
فذهب الجمهور إلى عدم وجود ألفاظ أعجمية في القرآن ، وذهب آخرون إلى وجودها ، وتوسط
طرف ثالث فتأول وجودها على أنها مشتركة بين العرب وغيرهم ، وعلى أن العرب استعملوها
وعرَّبوها فصارت تنسب إليهم ، لا باعتبار أصلها ، بل باعتبار استعمالها وتعريبها.
وممن نصر القول الأول ، وهو عدم وجود ألفاظ أعجمية في القرآن : الإمامان الجليلان :
الشافعي والطبري ، ووافقهما : أبو عبيدة ، وابن فارس ، وأكثر أهل اللغة ، وهو الذي
نصره وأيده : بدر الدين الزركشي في كتابه " البرهان في علوم القرآن " .
ومن أدلتهم :
1. قال تعالى : وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ . نَزَلَ بِهِ
الرُّوحُ الْأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ . بِلِسَانٍ
عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [ الشعراء / 192 – 195
] .
2. وقال تعالى : وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً
[ الرعد / 37 ]
.
3. وقال تعالى : وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً
[ الشورى / 7 ]
.
4. وقال تعالى : إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
[ الزخرف / 3 ]
.
5. وقال تعالى : قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
[ الزمر / 28 ]
.
قال الإمام الشافعي – بعد أن ساق الآيات السابقة - :
" فأقام حجته بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها ، ثم أكد ذلك بأن نفى عنه جل ثناؤه
كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه ، فقال تبارك وتعالى : ولقد نعلم انهم
يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين
[ النحل / 103 ]
، وقال : ولو جعلناه أعجميا لقالوا لولا
فصلت آياته ءاعجمي وعربي [ فصلت / 44 ]
.
" الرسالة " ( ص 46 ، 47 )
.
وذهب الإمام المفسر ابن عطية إلى القول الثاني : أن في القرآن بعض ألفاظ أعجمية ،
ووافقه بعض الفقهاء ، وهو الذي نصره وأيده : جلال الدين السيوطي في كتابه " الإتقان
في علوم القرآن " .
ومن أدلتهم : ما وجد من ألفاظ أعجمية كإستبرق ، وسندس ، وقالوا : إن النبي صلى الله
عليه وسلم بُعث للناس كافة ، فلا يمتنع وجود أكثر من لغة في القرآن ، بل هو أبلغ في
الإعجاز .
وردَّ الشافعي – وغيره – على هذا بالقول أن بعض الألفاظ قد تكون عند العرب ، ويخفى
هذا على المفسر ، فيظنها أعجمية ، وهذا لأن اللغة العربية أوسع اللغات لساناً
وألفاظاً ، وقال – رحمه الله - عبارته المشهورة " ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان
غير نبي " .
وردوا – كذلك – بأنه لا يمتنع أن تكون هذه الألفاظ مشتركة بين العرب وغيرهم ، وهو
أمر غير منكر قديما وحديثاً .
قال الطبري :
" ولم نستنكر أن يكون من الكلام ما يتفق فيه ألفاظ جميع أجناس الأمم المختلفة
الألسن بمعنى واحد ، فكيف بجنسين منها ، كما قد وجدنا اتفاق كثير منهم فيما قد
علمناه من الألسن المختلفة ، وذلك كالدرهم والدينار والدواة والقلم والقرطاس " .
انتهى
والمذهب الثالث هو لبعض الباحثين ، وهو يجمع بين القولين ، فهو يقول : إن وجود بعض
الألفاظ الأعجمية لا يُخرجه عن كونه عربيّاً ؛ لأنها قليلة ، والعبرة للأكثر ، كما
أن من يعرف كتابة اسمه فقط لا يُخرجه عن كونه أمِّيّاً ، وأن هذه الألفاظ هي أعجمية
في الأصل ، عربية بالاستعمال والتعريب .
وبعد هذا العرض للأقوال يتبين أنه لا مجال للطعن في كتاب الله تعالى بمثل هذه
الشبهة ، وأنه لو كانت مجالاً للطعن في القرآن لما تركها أسلاف هؤلاء من مشركي مكة
ومن بعدهم ، وهم أهل لغة ، ولم يتركوا مجالاً لأحدٍ للطعن في النبي صلى الله عليه
وسلم وكتاب ربه إلا قالوه ، وهو أنهم وجدوا هذه الشبهة قائمة لقالوها .
وللتوسع : ينظر " تفسير القرطبي " ( 1 / 68
، 69 ) ، وكتاب " الإتقان " للسيوطي " و " البرهان " للزركشي "
.
والله أعلم