الإجابة
الاجابة
الحمد لله :
أولًا :
قال تعالى : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي البقرة /186 .
قال "الثعلبي" في "الكشف والبيان" (4/ 514 - 515) : " أي فليجيبوا لي بالطاعة ، يقال : أجاب ، واستجاب : بمعنى واحد ، قال كعب بن سعد الغنوي :
وداعٍ دعا يا من يجيبُ إلى النَّدى ... فَلَمْ يَسْتَجِبهُ عند ذاك مُجِيبُ
يعني : فليدعوني .
والإجابة في اللغة : الطاعة ، وإعطاء ما سئل ، يقال: أجابت السماء بالمطر ، وأجابت الأرض بالنبات ، كأن الأرض سألت السماء المطرَ، فأعطت ، وسألت السماء الأرض النبات فأعطت.
قال زهير :
وغَيْثٍ من الوَسْمِيِّ حُوٍّ تِلَاعه ... أجابت رَوَابيه النِّجاء هَوَاطِله
يريد أجابت هواطلُه، روابيَه النجاء ، حين سألتها المطر ، فأعطتها ذلك.
فالإجابة من الله -عزَّ وجلَّ- الإعطاء ، ومن العبد الطاعة "، انتهى .
وبنحوه في " التفسير البسيط " (3/ 594) .
وقال "أبو حيان" في "البحر المحيط" (2/ 209) : " ( فليستجيبوا لي ) أي : فليطلبوا إجابتي لهم إذا دعوني ، قاله ثعلب ، فيكون : استفعل ، قد جاءت بمعنى الطلب ، كاستغفر ، وهو الكثير فيها : أو فليجيبوا لي إذا دعوتهم إلى الإيمان والطاعة ، كما أني أجيبهم إذا دعوني لحوائجهم ، قاله مجاهد ، وأبو عبيدة ، وغيرهما .
ويكون : (استفعل) فيه: بمعنى: (افعل)، وهو كثير في القرآن : ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع ) ، ( فاستجبنا له ووهبنا له يحيى ) ؛ إلا أن تعديته في القرآن باللام ، وقد جاء في كلام العرب مُعَدَىً بنفسه قال:
وداع دعا يا من يجيب إلى النداء ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب
أي : فلم يجبه ، ومثل ذلك - أعني كون (استفعل) موافق (أفعل) - قولهم : استبل، بمعنى: أبل ، واستحصد الزرع وأحصد ، واستعجل الشيء وأعجل ، واستثاره وأثاره .
ويكون استفعل: موافقة أفعل، متعديا ولازما " ، انتهى .
وقال أيضًا (3/ 476) : " ومعنى استجاب : أجاب ، ويعدى بنفسه وباللام .
وتقدم الكلام في ( فليستجيبوا لي ) .
ونقل تاج القراء أن أجاب عام ، واستجاب خاص في حصول المطلوب ".
وقد وضح هذا الكلام "السمين الحلبي" في "الدر المصون" (2/ 291) وفيه :
" قوله : فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي في الاستفعالِ هنا قولان :
أحدُهما : أنَّه للطلب ، على بابِه ، والمعنى : فَلْيَطْلبُوا إجابتي . قاله ثعلب.
والثاني : أنه بمعنى الإِفعال ، فيكون استفعل ، وأَفْعَل بمعنىً .
وقد جاءَتْ منه ألفاظٌ نحو : أقرَّ واستقرَّ ؛ وأبَلَّ المريضُ واسْتَبَلَّ ، وأحصدَ الزرعُ واستحصد ، واستثار الشيء وأثارَه ، واستعجله وأَعْجَله ، ومنه استجابَهُ وأجَابَهُ .
وإذا كان استفعل بمعنى أَفْعَل ، فقد جاء متعدِّياً بنفسه وبحرف الجرِّ ، إلا أنه لم يَرِدْ في القرآن إلاَّ مُعَدَّىً بحرف الجرِّ ، نحو : فاستجبنا لَهُ [الأنبياء: 84] ، فاستجاب لَهُمْ.
ومِنْ تعدِّيه بنفسِه قوله:
وداعٍ دَعَا يا مَنْ يُجيبُ إلى النَّدى ... فلم يَسْتَجِبْه عند ذاك مُجيبُ
ولقائلٍ أن يقولَ: يَحْتَمِلُ هذا البيتُ أَنْ يكونَ مِمَّا حُذِفَ منه حرفُ الجر ، واللامُ لامُ الأمر .
وفَرَّق الرماني بين أَجاب ، واستجاب: بأنَّ ( استجاب ) لا يكون إلا فيما فيه قبول لِما دُعِي إليه، نحو : فاستجبنا لَهُ [الأنبياء: 76] ، فاستجاب لَهُمْ رَبُّهُمْ [آل عمران: 195] .
وأمَّا ( أجاب ) فأعمُّ ، لأنه قد يُجيب بالمخالفة ، فَجَعَل بينهما عموماً وخصوصاً "، انتهى .
وقال "الطاهر" في "التحرير والتنوير" (4/ 202) : " وَ (اسْتَجَابَ) بِمَعْنَى أَجَابَ ، عِنْدَ جُمْهُورِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ ، فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلتَّأْكِيدِ ، مِثْلَ : اسْتَوْقَدَ وَاسْتَخْلَصَ.
وَعَنِ الْفَرَّاءِ ، وَعَلِيِّ بْنِ عِيسَى الرَّبَعِيِّ : أَنَّ ( اسْتَجَابَ ) أَخَصُّ مِنْ ( أَجَابَ ) ، لِأَنَّ ( اسْتَجَابَ ) يُقَالُ لِمَنْ قَبِلَ مَا دُعِيَ إِلَيْهِ ، وَ( أَجَابَ ) أَعَمُّ، فَيُقَالُ لِمَنْ أَجَابَ بِالْقَبُولِ ، وَبِالرَّدِّ.
وَقَالَ الرَّاغِبُ: ( الِاسْتِجَابَةُ ) هِيَ التَّحَرِّي لِلْجَوَابِ ، وَالتَّهَيُّؤُ لَهُ ، لَكِنْ عَبَّرَ بِهِ عَنِ ( الْإِجَابَةِ ) لِقِلَّةِ انْفِكَاكِهَا مِنْهَا .
وَيُقَالُ: اسْتَجَابَ لَهُ ، وَاسْتَجَابَهُ ، فَعُدِّيَ فِي الْآيَةِ بِاللَّامِ ، كَمَا قَالُوا : حَمِدَ لَهُ ، وَشَكَرَ لَهُ ، وَيُعَدَّى بِنَفْسِهِ أَيْضًا مِثْلُهُمَا .
قَالَ كَعْبُ بْنُ سَعْدٍ الْغَنَوِيُّ، يَرْثِي قَرِيبًا لَهُ:
وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إِلَى النِّدَا ... فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ "، انتهى .
ثانيًا :
واعلم أن "الإجابة والاستجابة" تفسر بقبول الدعاء ، وإيتاء السؤْل . وكل ما في القرآن من الفعل استجاب ، ومضارعه ، وأمره : فهو بمعنى إيتاء السؤل إمدادًا بالمطلوب .
انظر : "المعجم الاشتقاقي المؤصل" (1/ 269 - 270).
والله أعلم.