الإجابة
الحمد لله
أولًا:
لقد اعتنى العلماء قديمًا بموضوع المصاحف العثمانية، والمصاحف الخاصة المنسوبة للصحابة، فتناولها أبو عبيد في فضائل القرآن، وأبو بكر الأنباري، وابن أبي داود، وابن أشته، وغيرهم.
وينبغي أن يعلم أن إجماع الأمة قد انعقد على الجمع الذي جمعه عثمان رضي الله عنه .
وقد عرضت شبهة لعبدالله بن مسعود رضي الله عنه جعلته يخالف هذا الموقف العام .
والذي ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه : أنه تمسك بقراءته لا غير .
وأما ما ورد أنه أمر الناس أن يمسكوا مصاحفهم ونحو ذلك لا يثبت أمام النقد والتمحيص .
وانظر في مسألة الجمع الأجوبة التالية: (1695)، (1607).
وقد أفرد الدكتور محمد الطاسان هذه المسألة بالبيان في كتابيه:
1- المصاحف المنسوبة للصحابة، من إصدارات مكتبة التدمرية .
2- تحقيق موقف الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود من الجمع العثماني، من إصدارات كرسي القرآن الكريم وعلومه .
ثانيًا:
1- الروايات الصحيحة التي تخبر بما قاله ابن مسعود ، ليس فيها الأمر بغل المصاحف، كما سبق ، وهذه الروايات : هي التي أخرجها الشيخان .
2- الوجه الصحيح والمحفوظ عن ابن مسعود أنه أراد أن يستمسك بالقراءة، لأنه أخذها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
3- ورد أيضا : رجوع ابن مسعود إلى رأي الجماعة .
انظر: المصاحف المنسوبة للصحابة: (381 - 397)، (573 - 584)، (670 - 689).
يقول الدكتور الجديع: " إنّ النّاس قبل المصحف الإمام كانت عندهم المصاحف الّتي انتسخوها لأنفسهم، وربّما كان مرجع النّاس في ذلك إلى من سمعوا منه من القرّاء من الصّحابة أو غيرهم،
فجائز عليها الاختلاف، سواء بسبب اختلاف الحروف الّتي بلغهم القرآن عليها، أم بسبب النّسخ، وصنيع عثمان إنّما قصد إلى توحيد المسلمين على مصحف واحد.
فحين كتبت المصاحف العثمانيّة جعلها أمير المؤمنين عثمان المرجع للمسلمين في مصاحفهم، وأمر بإزالة ما سواها ممّا كتب عن غيرها، فساء ذلك ابن مسعود، وأبى أن يسلّم مصحفه، وأفتى النّاس بالاحتفاظ بمصاحفهم، كما تدلّ على ذلك الأخبار عنه ...
وأمّا قضيّة تحريق المصاحف غير المصحف العثمانيّ، فإنّ امتناع ابن مسعود عن تسليم مصحفه، وأمره النّاس بإخفاء مصاحفهم الّتي نسخوها لأنفسهم قبل المصحف الإمام ... .
وكذلك الموقف من جهة أمير المؤمنين عثمان، فإنّه قصد بالجمع أن يجمع النّاس على مصحف واحد، ولا يتأتّى ذلك وهو يدعهم يحتفظون بما عندهم من القراءات والحروف ، ممّا لا يأتي على وفاقه.
والموقف العامّ من الصّحابة كان متّفقا مع رأيه، سوى ابن مسعود، وعابوا على ابن مسعود صنيعه.
قال مصعب بن سعد: أدركت أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم حين شقّق عثمان رضي الله عنه المصاحف؛ فأعجبهم ذلك، أو قال: لم ينكر ذلك منهم أحد .
وقال الزّهريّ: بلغني أنّ ذلك كره من مقالة ابن مسعود، كرهه رجال من أفاضل أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم .
وتقدّم أمر حذيفة لابن مسعود بأن يدفع مصحفه لمن كلّفه أمير المؤمنين بإزالة المصاحف بالكوفة، وامتنع ابن مسعود.
وهذا أبو الدّرداء، وهو سيّد أهل الشّام، وأحد من تنتهي إليهم قراءة ابن عامر، يبلغه صنيع ابن مسعود، فلا يرضاه:
قال علقمة بن يزيد النّخعيّ: قدمت الشّام، فلقيت أبا الدّرداء، فقال: كنّا نعدّ عبد الله حنّانا، فما باله يواثب الأمراء؟ .
ويبدو أنّ ابن مسعود صار في آخر أمره إلى موافقة الجماعة، وإن كان قد احتفظ بالقراءة على حرفه؛ لأنّه أدرك أنّ الاختلاف الّذي وقع بينه وبينهم، إنّما كان في الحرف أو في الحفظ، وليس هذا من قبيل اختلاف التّضادّ.
نقل أبو وائل شقيق بن سلمة عن ابن مسعود، قال:
إنّي قد سمعت القراء؛ فوجدتهم متقاربين، فاقرءوا كما علّمتم، وإيّاكم والاختلاف والتّنطّع، فإنّما هو كقول أحدكم: هلمّ، وتعال" المقدمات الأساسية: (119 - 121)، بتصرف .