الإجابة
الحمد لله
أولا:
اختلف الفقهاء في حكم تحلية المصحف بالذهب والفضة ، وكتابته بهما، على أقوال.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (38/ 16): " ذهب الحنفية والمالكية إلى جواز تحلية
المصاحف بالذهب والفضة ، سواء كانت للرجال أو النساء ، لما في ذلك من تعظيم القرآن
، لكن قال المالكية : إن الذي يجوز تحليته جلده من خارج ، لا كتابته بالذهب ،
وأجازه بعضهم ، وأجازوا أيضا كتابته في الحرير وتحليته به .
وذهب الشافعية في المعتمد عندهم إلى جواز تحلية المصحف بالفضة مطلقا ، وبالذهب
للنساء والصبيان ، وتحريمه بالذهب في مصاحف الرجال .
وذهب الحنابلة إلى كراهة تحليته بشيء من النقدين ، وهو قول أبي يوسف من الحنفية .
وذهب الشافعية في قول إلى تحريم تحلية القرآن بالذهب ، وقال ابن الزاغوني من
الحنابلة : يحرم ، سواء حلاه بذهب أو فضة" انتهى.
وجاء فيها (21/ 85): " ... وذهب المالكية في مشهور مذهبهم إلى جواز تحلية المصحف
على أن تكون الحلية مقتصرة على غلافه الخارجي ، ولا يجوز أن يكتب بالذهب ، ولا أن
يجعل على الأحزاب والأعشار وغير ذلك ؛ لأنه من زخرفة المصحف وذلك يلهي القارئ
ويشغله عن تدبر آياته ومعانيه ، ولنفس السبب كرهت الحنابلة تحلية المصحف بالذهب"
انتهى.
وقال في "كشاف القناع"
(1/136): " وتكره تحليته بذهب أو فضة ، نص عليه الإمام أحمد ، لتضييق النقدين ،
ويحرم في كتب العلم أن تحلى ، ويباح تطييبه أي المصحف ، وجعله على كرسي ، ويباح
كيسه الحرير نقله الجماعة ، لأن قدر ذلك يسير . وقال أبو الحسن علي بن محمد
الزاغوني: يحرم كتبه بذهب ، لأنه من زخرفة المصاحف ، ويؤمر بحكه..." انتهى.
وقد احتج المانعون من تحلية
المصاحف بجملة من الآثار، عن جمع من الصحابة ، كأبي الدرداء وأبي ذر وأبي بن كعب
وأبي هريرة تتضمن الوعيد الشديد على تحلية المصاحف وزخرفتها.
وقد أخرج ابن المبارك في الزهد وأبو عبيد في فضائل القرآن، وسعيد بن منصور في
التفسير من سننه وغيرهم ، من حديث أبي الدرداء قال : ( إذا حليتم مصاحفكم وزخرفتم
مساجدكم فالدبار عليكم ) وفي لفظ : (فالدثار عليكم ) ، وفي لفظ : (فالدعاء عليكم)
وفي لفظ : (فالدمار عليكم)، وفي لفظ : ( إذا زخرفتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فعليكم
الدبار ).
وقد روي مرفوعا. ولا يصح.
قال الدكتور سعد الحميد حفظه الله: " وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق يكون حسنًا
لغيره، لكنه موقوف على هؤلاء الصحابة الذين رووه وهم: أبو هريرة وأبو الدرداء وأبو
ذر، وأما رفعه فلا يصح، إلا أن يقال: إنه مما يدخل في عداد ماله حكم الرفع؛ لأنه لا
مجال للرأي فيه، والله أعلم" انتهى من "التفسير من سنن سعيد بن منصور" (2/491).
وينظر: "مجلة البحوث
الإسلامية" (68/ 313) بحث بعنوان: "تحلية المصاحف وكتب العلم وآلاتها"، للدكتور
صالح بن محمد بن رشيد، وجاء فيه: " ولقائل أن يقول بالمنع من التحلية تغليبا لجانب
الحظر - ولكون التحلية من زينة الدنيا ، فتصان عنها المصاحف ، قياسا على المسجد ،
ولكون زخرفتها ضربا من التشبه باليهود والنصارى وقد أمرنا بمخالفتهم .
ثم لقائل أن يقول : إن ما طريقه القُرَب ، إذا لم يكن للقياس فيه مدخل : لا يستحب
فعله، وإن كان فيه تعظيم، إلا بتوقيف. ولهذا قال عمر عن الحجر : ( لولا أني رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ) . ولما قبّل معاوية الأركان كلها
أنكر عليه ابن عباس ، فقال ليس شيء من البيت مهجورا ، فقال : إنما هي السنة ، فأنكر
عليه الزيادة على فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان فيها تعظيم" انتهى.
ثانيا:
لا حرج عليكِ في تلاوة القرآن من هذا المصحف، ولو كان محلى أو مكتوبا بالذهب أو
بالفضة، فإن الخلاف في عمل التحلية والكتابة. وحك هذا الذهب –عند من أوجبه في حال
كتابته بالذهب- غير ممكن ، ولا فائدة فيه .
وقد هم عمر بن عبد العزيز
رحمه الله حين تولى الخلافة بإزالة الذهب الذي طلى به المسجد الأموي ، فلما قيل له
: إنه لا يجتمع منه شيء : تركه ، لأنه لا فائدة من إزالته حينئذ .
فكذلك يقال في المصحف الذي حُلَّي بالذهب .
لا سيما ، وبعض الفقهاء [ الشافعية ] يمنعون من تحلية المصحف بالذهب ، ويرخصون فيه
للنساء .
والله أعلم.