الإجابة
الحمد لله
أولا :
ينبغي أن تستحضر هنا أمرين مهمين ، هما من فضل الله على عباده :
الأول : أن الله تعالى قال : ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ
مِنْ مُدَّكِرٍ ) القمر/ 17 .
الثاني : قوله عليه الصلاة والسلام : ( الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ
الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ ،
وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ ، لَهُ أَجْرَانِ ) رواه البخاري (4937) ، ومسلم (798) .
قال النووي رحمه الله :
" الَّذِي يَتَتَعْتَع فِيهِ هُوَ الَّذِي يَتَرَدَّد فِي تِلَاوَته لِضَعْفِ
حِفْظه ، فَلَهُ أَجْرَانِ : أَجْر بِالْقِرَاءَةِ , وَأَجْر بِتَتَعْتُعِهِ فِي
تِلَاوَته وَمَشَقَّته " انتهى من " شرح مسلم للنووي " .
فإذا تحصل أن القرآن ميسر لتذكر العباد ، ومدارستهم ، وإذا تحصل أن من شق عليه شيء من ذلك ، أو تعب في تعلمه ، وحفظه ، ومدارسته : فله أجران ؛ كان حريا بالعاقل أن يجتهد في ذلك الجهد كله ، وأن يصبر نفسه على ذلك المقام العظيم ، وكم من أعجمي لا يحسن العربية ، يسر الله له حفظ كتابه كله ، وفي مثل ذلك الفضل : فلتنفق الأوقات ، وليتسابق المستبقون إلى الخيرات .
ثانيا :
مما يعين على حفظ كتاب الله تعالى كثرة سماعه عن طريق مسجل الصوت ، فإن تيسر لك
حفظه بهذه الطريقة ، كنت ممن حفظ كتاب الله ، وحصل المقصود ، ونلت أجر الحافظين
بإذن الله ومنزلتهم ، وبحسب إتقان العبد للتلاوة وحفظه وعمله بالكتاب المجيد
وأحكامه وآدابه ، يكون أجره وتكون منزلته عند الله إذا أخلص النية واحتسب الأجر .
وإن كان الأفضل أن تجمع في ذلك بين الأمرين : أن تجتهد في تلاوته ، وحفظه ما استطعت
، نظرا من المصحف ، تحصيلا لفضيلة القراءة بنفسك ، وفضيلة النظر في المصحف ، ثم
تستعين باستماع القرآن مسجلا في أمرين : في تصحيح تلاوتك ، والتأكد من ضبطك قبل
الحفظ ، ثم في استمرار مراجعتك ، وتذكرك لما حفظت بعد ذلك .
ولا شك أن المستمع للتلاوة من شيخه ومعلمه ، بصورة مباشرة : هو أتقن لكتاب الله من
المستمع له عن طريق المسجل ، ولا يتم للمسلم إتقان الحفظ إلا بالأخذ عن الشيخ
مباشرة ، وحضور مجالسه ، متى تيسر له ذلك .
ولكن من لم يتيسر له الشيخ ، وتيسر له المسجل : فلا حرج عليه في متابعته ،
والاستماع إليه ، والحفظ من خلال ذلك .
راجع لمزيد الفائدة إجابة السؤال رقم (1666)
، ورقم () .
ثالثا :
باب المنافسة والمسارعة في الخيرات مفتوح لكل أحد ، فمن لم يستطع أن ينافس في
القرآن نافس في الصلاة ، أو الصيام ، أو الصدقة ، أو الذكر ، أو الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ، أو في صنائع المعروف ، أو في صلة الرحم ، أو في بر الوالدين ،
إلى غير ذلك من أنواع العمل الصالح التي لا تحصى .
وعامة ما ثبت من الأذكار
الشرعية : لها أجر وثواب عظيم ، ولكن هناك منها ما هو أعظم أجرا ، فمن القرآن مثلا
- وهو أفضل الذكر - : قراءة : ( قل هو الله أحد ) فإنها تعدل ثلث القرآن . وسورة
الفاتحة أفضل سور القرآن ، وآية الكرسي أعظم آية ، والآيتان من آخر سورة البقرة من
قرأهما في ليلة كفتاه ، وحفظ ذلك وغيره ميسور لكل أحد ، وفي تلاوته وترديده أجر
عظيم .
- ومن الأذكار المشروعة : ما رواه مسلم (2726) عن جويرية رضي الله عنها أن النبي
صلى الله عليه وسلم خرج من عندِها بُكرة حين صلى الصبح ، وهي في مسجدها ، ثم رجع
بعد أن أضحى ، وهي جالسة ، فقال : ( مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ
عَلَيْهَا ؟ ) قالت : نعم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَقَدْ قُلْتُ
بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ
مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ : سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ ، عَدَدَ
خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ ) .
- ومنها قول : سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ، فقد روى البخاري (6682) ،
ومسلم (2694) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله عليه وسلم : (
كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ ،
حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ
اللَّهِ العَظِيمِ ) .
- ومنها : سيد الاستغفار ، فقد روى البخاري (6306) عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ :
اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ
وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا
صَنَعْتُ ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ
لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ، قَالَ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ
النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ
أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ
قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ) .
- ومنها أيضا من حيث الجملة : أذكار الصباح والمساء وأذكار دبر الصلوات المكتوبات
وأذكار النوم ، فإن من واظب على ذلك فله أجر عظيم .
وراجع إجابة السؤال رقم : () .
رابعا :
المشروع في حق المسلم التنويع في الأذكار الشرعية وسائر العبادات ، فتارة يقرأ
القرآن ، وتارة يذكر الله ، وتارة يصلي ، وتارة يستذكر العلم ، وتارة يروح عن نفسه
بأنواع الترويح المباحة ، ولا يقصر نفسه على نوع معين من أنواع العبادات لا يتعداه
ولا ينشغل بغيره ؛ لأن في ذلك فوات أجر وفضيلة ما تركه من أنواع العبادات الأخرى ،
مع ما يخشى عليه من حصول الملالة والسآمة .
راجع إجابة السؤال رقم : () .
والله أعلم