الإجابة
الحمد لله
أولاً :
الذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن دمج صوت التلبية أو صوت الرياح والرعد والعصافير مع تلاوة القرآن الكريم ، أقل أحواله الكراهة ؛ لأن القرآن كلام الله ، فشأنه عظيم ، وأمره كبير ، وهو أجلّ من أن يجعل معه غيره ، وقد أمر الله بالإنصات إليه ، وتدبر آياته ، فقال تعالى : (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف/204 ، وقال سبحانه : (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) ص/29 ، وقال عز وجل : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) محمد/24 .
قال
النووي رحمه الله في "التبيان في آداب حملة القرآن" (92) :
"ومما يُعْتنى به ويتأكد الأمر به : احترام القرآن من أمور قد يتساهل فيها بعض
الغافلين القارئين مجتمعين ، فمن ذلك : اجتناب الضحك واللغط والحديث في خلال
القراءة ، إلا كلاما يضطر إليه ، وليمتثل قول الله تعالى : (وَإِذَا قُرِىءَ
الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وليقتد بما
رواه ابن أبي داود عن ابن عمر رضي الله عنهما : (أنه كان إذا قُرئ القرآنُ لا يتكلم
حتى يُفرَغَ منه)" انتهى .
وهذه الأصوات والمؤثرات إن كان المقصود بها زيادة التحسين والتطريب ، فهذا ليس من المقاصد المعتبرة ، وكم أشغل هذا التحسين عن التدبر والتأمل والاتعاظ .
وإن كان المقصود هو جعل خلفية " تصويرية " تعين على التدبر - بزعمهم - فهذا مع منافاته لما ينبغي من تعظيم القرآن والإنصات إليه ، فيه إشكال آخر من جهة أن بعضهم يصوّر الأمور الغيبية التي لا يمكن تصوّرها فضلا عن تصويرها صوتيا أو مرئيا ، وذلك كجعل بعضهم صوت العصافير عند ذكر الجنة ، ومعلوم أن الجنة فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، فصوت طيور الجنة في الجنة غيبٌ لا نعلم صفته ولا مقدار حسنه وجماله ، ولا يمكن تمثيله بأصواتها في الدنيا ، وقد قال ابن عباس رضي الله عنه : "ليس في الجنة شيء مما في الدنيا إلا الأسماء" رواه الضياء في المختارة ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5410) ، وأورده في السلسلة الصحيحة (5/187) بلفظ : "ليس في الجنة شيء يشبه (ما) في الدنيا إلا الأسماء" .
وبالجملة : فالقرآن ينبغي أن ينزه عن هذه الأصوات المصاحبة لأن شأنه أعظم من ذلك .
ثانيا :
يحرم استعمال الموسيقى وسماعها لأدلة سبق بيانها في جواب السؤال رقم : (5000) .
وأما جعلها مع القرآن فهذا منكر عظيم شنيع ، لا يستريب أحد في تحريمه ومنعه ، ولا نظن أن يقدم عليه رجل يخاف الله تعالى ، إذ كيف يُجعل كلام الله كالغناء الذي تصحبه الآلات ، وكيف يتلى أشرف الكلام على مزامير الشيطان ، نسأل الله العافية .
وفي "الفتاوى الهندية" (2/267) : "إذا قرأ القرآن على ضرب الدف والقصب فقد كفر" انتهى.
قال أبو بكر الحصني الشافعي في كتابه "كفاية الأخيار" (ص 494) : "وأما الكفر بالفعل فكالسجود للصنم والشمس والقمر ، وإلقاء المصحف في القاذورات ، والسحر الذي فيه عبادة الشمس ، وكذا الذبح للأصنام والسخرية باسم من أسماء الله تعالى أو بأمره أو وعيده أو قراءة القرآن على ضرب الدف" انتهى .
وسبب ذلك ـ والله أعلم ـ : أن قراءة القرآن الذي هو كلام الله على أصوات الموسيقى إهانة للقرآن ، وإهانة القرآن كفر .
والله أعلم .