الإجابة
الحمد لله
أولاً :
تشرع صلاة القيام في رمضان جماعةً ، وتشرع مفردةً ، وفعلها جماعةً أفضل من فعلها منفرداً ، فقد صلاها النبي صلى الله عليه بأصحابه جماعةً عدة ليالٍ .
فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ليالٍ ، ولما كانت الثالثة أو الرابعة لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ : ( لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ ) . رواه البخاري ( 1129 ) ، وفي لفظ مسلم (761) ( وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ صَلاةُ اللَّيْلِ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا ) .
فثبتت الجماعة في التراويح بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم المانع من الاستمرار في صلاتها جماعة ، وهو خوف أن تُفرض ، وهذا الخوف قد زال بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأنه لما مات صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي فأمن من فرضيتها ، فلما زالت العلة وهو خوف الفريضة بانقطاع الوحي ، فحينئذ تعود السنية لها .
انظر " الشرح الممتع " للشيخ ابن عثيمين ( 4 / 78 ) .
قال الإمام ابن عبد البر – رحمه الله - :
وفيه : أن قيام رمضان سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم ، مندوب إليها ، مرغوب فيها ، ولم يسن منها عمر بن الخطاب إذ أحياها إلا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه ويرضاه ، ولم يمنع من المواظبة عليه إلا خشية أن يفرض على أمته ، وكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما - صلى الله عليه وسلم - ، فلما علم ذلك عمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلم أن الفرائض لا يزاد فيها ولا ينقص منها بعد موته عليه الصلاة والسلام : أقامها للناس وأحياها وأمر بها ، وذلك سنة أربع عشرة من الهجرة ، وذلك شيء ادخره الله له وفضَّله به .
"التمهيد " ( 8 / 108 ، 109 ) .
وقد صلاها الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم جماعات وأفراداً حتى جمعهم عمر رضي الله عنه على إمام واحد .
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ : خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاتِهِ الرَّهْطُ ، فَقَالَ عُمَرُ : إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاةِ قَارِئِهِمْ ، قَالَ عُمَرُ : نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ - يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ - وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ . رواه البخاري ( 1906 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - في معرض رده على الذين يحتجون بقول عمر : " نعمت البدعة " على تجويز البدع - :
أما قيام رمضان فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سنَّه لأمَّته ، وصلَّى بهم جماعة عدة ليالٍ ، وكانوا على عهده يصلون جماعة وفرادى ، لكن لم يداوموا على جماعة واحدة ؛ لئلا تفرض عليهم ، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم استقرت الشريعة ، فلما كان عمر رضي الله عنه جمعهم على إمامٍ واحدٍ ، وهو أُبي بن كعب الذي جمع الناس عليها بأمر من عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وعمر رضي الله عنه هو من الخلفاء الراشدين ، حيث يقول صلى الله عليه وسلم : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ " يعنى الأضراس ؛ لأنها أعظم في القوة ، وهذا الذي فعله هو سنة لكنه قال " نعمت البدعة هذه " ، فإنها بدعة في اللغة لكونهم فعلوا ما لم يكونوا يفعلونه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني : من الاجتماع على مثل هذه ، وهي سنة من الشريعة ". " مجموع الفتاوى " ( 22 / 234 ، 235 ) .
وللمزيد : راجع السؤال (21740) ، (45781)
ثانياً :
ختم القرآن في رمضان في الصلاة وخارجها أمر محمود لصاحبه ، وقد كان جبريل عليه السلام يدارس القرآن مع النبي صلى الله عليه وسلم في كل رمضان ، فلما كان العام الذي توفي فيه دارسه إياه مرتين .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (66504) .
والله أعلم .