الفتاوى

قراءة القرآن بالطريقة الأندلسية
السلام عليكم و رحمة الله

الإجابة

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فقد تكلم في هذه المسألة أكثر علماء الأمة من السابقين واللاحقين، ويكاد أن يتفقون على أمور:

منها: إن القراءة بالمقامات محرمة إن كانت بتمطيط أو تحريف للقرآن، أو خروج عن قواعد القراءة المعروفة، بحيث يزيد أو ينقص حرفاً، يغير صفة للحروف، وقد نبه على هذا الإمام النووي في التبيان .

ومنها: أن المقامات عبارة عن جمع لألحان الناس في غنائهم، وهي سابقة على القرآن والقراءة به، وهي لا صلة لها بعلم القراءات، بل نشأت في بيوت أهل الطرب والغناء، وجميعها أعجمية ما عدا المقامة الحجازية.

ومنها: يلاحظ أن القارئ قد يقرأ بإحداها أو ينوِّع بين عدة مقامات من غير أن يعرفها، كتشابه مخارج الحروف بين القارئ والمغني.

ومنها: أن تعلم الإيقاعات الموسيقية والألحان لا شك في حرمته، وإن كان من أجل القراءة فهو محرم قطعًا، بل هو دليل على فساد قصد صاحبه.

ومنها: حرمة سماع الأغاني ذات المعازف لتعلم طريقة القراءة، فضلاً عن الذهاب لمعاهد الموسيقا، لتعلم قوانين الغناء المعروفة بالألحان والإيقاعات الأوزان ليقرأ بها القرآن العظيم.

ومنها: أنهم اتفقوا على تحسين الصوت بالقرآن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن»، وفيهما: «ما أذن الله ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن».

ومنها: أن تزيين القرآن وتحسين الصوت يكون بالتزام أحكام التلاوة والتجويد وضبط مخارج الحروف، وكذلك ما يقرأ به القارئ أداء من غير مشي على قواعد المقامات، وهذا متفق عليه.

ومنها: أن ما ينادي به بعض الناس من تلحين القرآن لتصوير المعاني وضبط الأنغام جرأة على كتاب الله تعالى، والواقع يدل على أن اشتغال القارئ بتلك الأنغام يوقعه في التمطيط والتحوير، وكل هذ يصرف السامع عن تدبر المعاني إلى روعة الأداء على حساب التدبر.

أما نصوص أهل العلم قديما وحديثًا في هذا الشأن، فتحتمل مجلدًا من القطع الكبير، وسأشير لبعض ما يفي بالغرض:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "الإستقامة"(1/ 246 ):

"ومع هذا فلا يسوغ أن يقرأ القرآن بألحان الغناء ولا أن يقرن به من الألحان ما يقرن بالغناء من الآلات وغيره" وينصح بمراجع هذا الكتاب الهام فإنه صنف خصيصًا لمسائل السماع، وكذلك كتاب التبيان للإمام النووي رحمة الله عليهم.

وقد أطال النفس جدًا الإمام ابن القيم في حل الخلاف في المسألة فقال في " زاد المعاد في هدي خير العباد " (1/466-475):

"وكل من له علم بأحوال السلف يعلم قطعاً أنهم برءاء من القراءة بألحان الموسيقى المتكلفة، التي هي إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة ، وأنهم أتقى لله من أن يقرؤوا بها ويسوِّغوها، ويعلم قطعاً أنهم كانوا يقرؤون بالتحزين والتطريب، ويحسِّنون أصواتهم بالقرآن، ويقرؤونه بشجي تارة، وبطرب تارة، وبشوق تارة، وهذا أمر مركوز في الطباع تقاضيه، ولم ينه عنه الشارع مع شدة تقاضي الطباع له، بل أرشد إليه وندب إليه، وأخبر عن استماع الله لمن قرأ به، وقال : «ليس منَّا من لم يتغنّ بالقرآن»، وفيه وجهان: أحدهما: أنه إخبار بالواقع الذي كلنا نفعله، والثاني: أنه نفي لهدي من لم يفعله عن هديه وطريقته صلى الله عليه وسلم".اهـ .ليس منَّا من لم يتغنّ بالقرآن

وقال ابن قدامة في المغني: "وعلى كل حال فقد ثبت أن تحسين الصوت بالقرآن وتطريبه مستحب غير مكروه، ما لم يخرج ذلك إلى تغيير لفظه وزيادة حروفه، فقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: استمع قراءة رجل في المسجد، لم أسمع قراءة أحسن من قراءته، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فاستمع قراءته، ثم قال: «هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى: «إني مررت بك البارحة وأنت تقرأ، فقد أوتيت مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آل داود»، فقال أبو موسى: لو أعلم أنك تستمع لحبِّرتُه لك تحبيراً". اهـ

وقال الإمام ابن كثير في " فضائل القرآن " (ص 114) :

" والغرض أن المطلوب شرعاً إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة، فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقا فالقرآن ينزه عن هذا ويُجلّ، ويعظم أن يسلك في أدائه هذا المذهب".

هذا؛ وقد لخص الإمام ابن حجر العسقلاني المذاهب وجمع بينها جمع حسنًا، فليتأمل ففيه الكفاية بالغرض؛ قال في فتح الباري لابن حجر (9/ 72):

"ولا شك أن النفوس تميل إلى سماع القراءة بالترنم أكثر من ميلها لمن لا يترنم؛ لأن للتطريب تأثيرًا في رقة القلب وإجراء الدمع، وكان بين السلف اختلاف في جواز القرآن بالألحان، أما تحسين الصوت وتقديم حسن الصوت على غيره، فلا نزاع في ذلك، فحكى عبد الوهاب المالكي عن مالك تحريم القراءة بالألحان، وحكاه أبو الطيب الطبري والماوردي وبن حمدان الحنبلي عن جماعة من أهل العلم، وحكى ابن بطال وعياض والقرطبي من المالكية، والماوردي والبندنيجي والغزالي من الشافعية، وصاحب الذخيرة من الحنفية: الكراهة، واختاره أبو يعلى وبن عقيل من الحنابلة، وحكى ابن بطال عن جماعة من الصحابة والتابعين الجواز، وهو المنصوص للشافعي، ونقله الطحاوي عن الحنفية، وقال الفوراني من الشافعية في الإباحة: يجوز بل يستحب، ومحل هذا الاختلاف إذا لم يختل شيء من الحروف عن مخرجه، فلو تغير قال النووي في التبيان: "أجمعوا على تحريمه" ولفظه: "أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقرآن ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط، فإن خرج حتى زاد حرفًا أو أخفاه حرم"، قال: "وأما القراءة بالألحان فقد نص الشافعي في موضع على كراهته، وقال في موضع آخر لا بأس به، فقال أصحابه ليس على اختلاف قولين بل على اختلاف حالين؛ فإن لم يخرج بالألحان على المنهج القويم جاز وإلا حرم، وحكى الماوردي عن الشافعي أن القراءة بالألحان إذا انتهت إلى إخراج بعض الألفاظ عن مخارجها حرم، وكذا حكى بن حمدان الحنبلي في الرعاية، وقال الغزالي والبندنيجي وصاحب الذخيرة من الحنفية: إن لم يفرط في التمطيط الذي يشوش النظم استحب، وإلا فلا، وأغرب الرافعي فحكى عن أمالي السرخسي: أنه لا يضر التمطيط مطلقًا وحكاه بن حمدان رواية عن الحنابلة، وهذا شذوذ لا يعرج عليه.

 والذي يتحصل من الأدلة أن حسن الصوت بالقرآن مطلوب، فإن لم يكن حسنًا فليحسنه ما استطاع كما قال بن أبي مليكة أحد رواة الحديث، وقد أخرج ذلك عنه أبو داود بإسناد صحيح، ومن جملة تحسينه أن يراعي فيه قوانين النغم؛ فإن الحسن الصوت يزداد حسنًا بذلك، وإن خرج عنها أثر ذلك في حسنه وغير الحسن ربما انجبر بمراعاتها ما لم يخرج عن شرط الأداء المعتبر عند أهل القراءات، فإن خرج عنها لم يفِ تحسين الصوت بقبح الأداء؛ ولعل هذا مستند من كره القراءة بالأنغام لأن الغالب على من راعى الأنغام ألا يراعي الأداء، فإن وجد من يراعيهما معًا فلا شك في أنه أرجح من غيره؛ لأنه يأتي بالمطلوب من تحسين الصوت، ويجتنب الممنوع من حرمة الأداء والله أعلم". اهـ.  

وعليه، فلا يتردد عالم في حرمة تعلم المقامات بالموسيقا من أجل قراءة القرآن بألحان الغناء، أو بطريقة المغنين بل يجب أن يقرأه كما قرأه سلفنا الصالح، ولكن إن قدِّر أنه يمكن أن يتعلم المقامات من غير دخول في الموسيقا فيقرأ بها، فليس في هذا بأس، ولكن مع مراعاة ما ذكره في النقول السابقة، وما قاله الإمام القرطبي في تفسيره (1/ 29): "ومن حرمته ألا يقعر في قراءته كفعل هؤلاء الهمزيين المبتدعين والمتنطعين في إبراز الكلام من تلك الأفواه المنتنة تكلفًا فإن ذلك محدث ألقاه إليهم الشيطان فقبلوه عنه، ومن حرمته ألا يقرأه بألحان الغناء كلحون أهل الفسق".

هذا؛ ومن رجع إلى نفسه بصدق علم أن ما يهيج طبائع المستمعين إلى كثير من القراء الذي يمشون على المقامات هو التلذذ بسماع النغمات الموزونة والأصوات المطربة، وليس هو تدبر معاني القرآن؛ والوقع خير شاهد على ذلك،، والله أعلم.

مختصر الإجابة

هناك ما يدعى بالقراءة الاندلسية و أريد معرفة هل هذه القراءة صحيحة؟

Icon