الإجابة
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن معنى عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال، ليس على جهة الإلزام، وإنما كان تخييرًا في حمل التكاليف الشرعية، وأن يجعل لهن ثوابًا وعقابًا، ويستأمنهن على الدين، فأبين التكليف، واخترن أن يظللن مسخرات لأمر الله تعالى.
قال الإمام الطبري - في تفسيره (20 / 336) -:
"إن الله عرض طاعته وفرائضه على السموات والأرض والجبال، على أنها إن أحسنت أثيبت وجوزيت، وإن ضيعت عوقبت، فأبت حملها شفقًا منها أن لا تقوم بالواجب عليها، وحملها آدم؛ {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا} لنفسه، {جَهُولًا} بالذي فيه الحظ له". اهـ.
يقول السعدي - في تفسيره (ص: 673) -:
"يعظم - تعالى - شأن الأمانة التي ائتَمَنَ الله عليها المكلفين، التي هي امتثال الأوامر، واجتناب المحارم، في حال السر والخفية، كحال العلانية، وأنه - تعالى - عرضها على المخلوقات العظيمة، السماوات والأرض والجبال، عرضَ تخييرٍ لا تحتيم، وأنكِ إن قمتِ بها وأديتِها على وجهِهَا، فلكِ الثوابُ، وإن لم تقومي بها، ولم تؤديها، فعليكِ العقابُ.
{فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا}؛ أي: خوفًا أن لا يقمن بما حملن، لا عصيانًا لربهن، ولا زهدًا في ثوابه، وعَرَضَها الله على الإنسان، على ذلك الشرط المذكور، فقبلها، وَحَمَلها مع ظلمه وجهله، وحمل هذا الحمل الثقيل، فانقسم الناس - بحسب قيامهم بها وعدمه - إلى ثلاثة أقسام:
منافقون، أظهروا أنهم قاموا بها ظاهرًا لا باطنًا، ومشركون، تركوها ظاهرًا وباطنًا، ومؤمنون، قائمون بها ظاهرًا وباطنًا.
فذكر الله - تعالى - أعمال هؤلاء الأقسام الثلاثة، وما لهم من الثواب والعقاب، فقال: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 73]. اهـ.
هذا؛ والله أعلم.