الإجابة
أهل الفترة ليس في القرآن ما يدل على أنهم ناجون أو هالكون، إنما قال الله جل وعلا: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [سورة الإسراء من الآية 15]، فالله جل وعلا من كمال عدله لا يعذب أحدا إلا بعد أن يبعث إليه رسولا، فمن لم تبلغه الدعوة فليس بمعذب حتى تقام عليه الحجة، وقد أخبر سبحانه أنه لا يعذبهم إلا بعد إقامة الحجة، والحجة قد تقوم عليهم يوم القيامة، كما جاءت السنة بأن أهل الفترات يمتحنون ذلك اليوم، فمن أجاب وامتثل نجا ومن عصى دخل النار، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: « » لما سأله رجل عن أبيه قال: « » فلما رأى ما في وجهه من التغير قال: « » (خرجه مسلم في صحيحه).
وإنما قال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ليتسلى به ويعلم أن الحكم ليس خاصا بأبيه، ولعل هذين بلغتهما الحجة؛ أعني أبا الرجل وأبا النبي صلى الله عليه وسلم، فلهذا قال النبي عليه السلام: « »، قالهما عن علم عليه الصلاة والسلام؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، قال الله سبحانه وتعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى . مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى . وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [سورة النجم الآيات 1-4]، فلعل عبد الله بن عبد المطلب والد النبي صلى الله عليه وسلم قد قامت عليه الحجة لما قال في حقه النبي ما قال، عليه الصلاة والسلام، وكان علم ذلك مما عرفته قريش من دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فإنها كانت على ملة إبراهيم حتى أحدث ما أحدث عمرو بن لحي الخزاعي حين تولى مكة وسرى في الناس ما أحدثه عمرو المذكور من بث الأصنام والدعوة إلى عبادتها من دون الله، فلعل عبد الله قد بلغه ما يدل على أن هذا باطل وهو ما سارت عليه قريش من عبادة الأصنام فتابعهم في باطلة، فلهذا قامت عليه الحجة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « »، ومن هذا ما جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم استأذن أن يستغفر لأمه فلم يؤذن له فاستأذن أن يزورها فأذن له أخرجه مسلم في صحيحه.
فلعله بلغها ما تقوم به الحجة عليها من بطلان دين قريش كما بلغ زوجها عبد الله، فلهذا نُهي صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار لها، ويمكن أن يقال: إن أهل الجاهلية يعاملون معاملة الكفرة في الدنيا فلا يدعى لهم ولا يستغفر لهم؛ لأنهم يعملون أعمال الكفرة فيعاملون معاملتهم وأمرهم إلى الله في الآخرة.
فالذي لم تقم عليه الحجة في الدنيا لا يعذب حتى يُمتحن يوم القيامة؛ لأن الله سبحانه قال: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [ سورة الإسراء من الآية 15]، فكل من كان في فترة لم تبلغهم دعوة نبي فإنهم يمتحنون يوم القيامة، فإن أجابوا صاروا إلى الجنة وإن عصوا صاروا إلى النار، وهكذا الشيخ الهرم الذي ما بلغته الدعوة، والمجانين الذين ما بلغتهم الدعوة وأشباههم كأطفال الكفار؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عنهم قال: « » فأولاد الكفار يمتحنون يوم القيامة كأهل الفترة، فإن أجابوا جوابا صحيحا نجوا وإلا صاروا مع الهالكين.
وقال جمع من أهل العلم: (إن أطفال الكفار من الناجين؛ لكونهم ماتوا على الفطرة؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رآهم حين دخل الجنة في روضة مع إبراهيم عليه السلام هم وأطفال المسلمين). وهذا قول قوي لوضوح دليله. أما أطفال المسلمين فهم من أهل الجنة بإجماع أهل السنة والجماعة. والله أعلم وأحكم.
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الخامس.