الإجابة
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقدِ اختلف أهلُ العِلم في معنى الخوْف في الآية الكريمة، فقِيل: معْناه اليقين، وهو قوْل ابن عبَّاس حيث قال: تَخافون بمعنى: تعْلمون وتتيقَّنون.
واحتجَّوا بأنَّ الأوامر المترتِّبة على ذلك (الخوف) لا تَجب إلا بوقوع النشوز لا بتوقُّعه.
وقيل: الخوف على بابِه وهو بمعنى الظَّنِّ والحدس والفِراسة؛ أي: وما ظننتم، أو ضدّ الأمن، ويكون المعنى: يَحذرون ويتوقَّعون.
قال الإمام الطَّبري: "اختلف أهلُ التَّأويل في معنى قولِه: "واللاتي تَخافونُ نشوزَهنَّ"، فقال بعضهم: معناه: واللاَّتي تعلمون نشوزَهن، ووجه صرف "الخوف" في هذا الموضع إلى "العلم" في قول هؤلاء - نظيرُ صرْف "الظَّن" إلى "العِلْم"؛ لتقارُب معنيَيْهما؛ إذْ كان "الظَّنُّ" شكًّا، وكان "الخوفُ" مقرونًا برَجاء، وكانا جميعًا من فِعْل المرء بقلبه؛ كما قال الشَّاعر:
معناه: فإنَّني أعلم، وكما قال الآخر:
بِمعنى: وما ظننتُ.
وقال جماعة من أهل التَّأويل: معنى "الخوف" في هذا الموضِع: الخوف الذي هو خِلاف "الرَّجاء"، قالوا: معنى ذلك: إذا رأيتُم منهنَّ ما تخافون أن ينشُزن عليكم، من نظرٍ إلى ما لا يَنبغي لهنَّ أن ينظُرْنَ إليْه، ويَدخُلن ويَخرجن، واسترْبتُم بأمرِهِنَّ، فعِظُوهن واهجروهنَّ، وممَّن قال ذلك محمَّد بن كعب". اهـ.
وقال الدكتور محمد جميل غازي في كتاب "من مفردات القرآن": "فاستِخْدام لفْظ الخَوْف عندَ النُّشوز؛ لأنَّ الزَّوجة لا يَنبغي أن تكون ناشزًا، ولأنَّ الزَّوج لا ينبغي أن يكون ناشزًا، ولأنَّ العلاقة الزوجيَّة يَجب أن تتسامى عن النُّشوز الذي يهدِم الأُسْرة ويقوِّضها، ومن هنا استَعْمل القرآن المُبِين لفظ "تخافون" و"خافت"، قبل أن يصِف أيًّا من الزَّوجين بالنشوز.
إنَّ الإسلام يطارد شبَح النُّشوز المخيف، ويودُّ ألاَّ يكون له أثرٌ في المجتمع المسلِم؛ حتَّى لا يقطع ما أمر الله به أن يُوصل من علاقة، ولا يهدِم ما أمر أن يُقام من تعاونٍ ومحبَّةٍ وأُلْفةٍ؛ ولهذا يضع الإسْلام بين يدَي الزَّوجيْن الوصايا الكفيلة بتوجِيهِهما وجهةً آمنةً، لا خوفَ فيها، ولا قلَق، ولا تعاسة"،، والله أعلم.