الإجابة
قوله: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى
وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: 2- 3].
العطف يقتضي اشتراك المعطوف والمعطوف عليه فيما ذكر وأن بينهما
مغايرة إما في الذات وإما في الصفات.
وهو في الذات كثير، كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا
وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ
أَشْرَكُوا} [الحج: 17].
وأما في الصفات فمثل هذه الآية.فإن الذي خلق فسوى هو الذي قدر
فهدى، لكن هذا الاسم والصفة ليس هو ذاك الاسم والصفة،ومثله
قوله:{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ
وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد:3]،ومثله
قوله:{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ
بِالْغَيْبِ} إلى قوله:{والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ
إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ} [البقرة:3-
4]،وقوله:{لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ
فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ
إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ
وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ} [النساء:162]، وقوله:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ
فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ
مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:1 ـ 3]، وقوله: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى
صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ
مَّعْلُومٌ} الآيات [المعارج:22 ـ 24].
وقوله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ
وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} الآيات
[الأحزاب: 35]، فإنه من صدق وصبر ولم يسلم ولم يؤمن لم يكن ممن
أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا.
وكثيرًا ما تأتى الصفات بلا عطف، كقوله: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ}
[الحشر: 23]، وقوله:{قُلْ
أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ}
[الناس: 1 ـ 3].
وقد تجيء خبرًا بعد خبر، كقوله: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ
الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [البروج: 14ـ
16].
ولو كان [فعال] صفة، لكان معرفًا، بل هو خبر بعد خبر.
وقوله: {هُوَ الْأَوَّلُ
وَالْآخِرُ} [الحديد: 3]، خبر بعد خبر، لكن بالعطف بكل
من الصفات.
وأخبار المبتدأ قد تجيء بعطف وبغير عطف.
وإذا ذكر بالعطف كان كل اسم مستقلا بالذكر، وبلا عطف يكون الثاني
من تمام الأول بمعنى.
ومع العطف لا تكون الصفات إلا للمدح والثناء، أو للمدح، وأما بلا
عطف فهو في النكرات للتمييز، وفي المعارف قد يكون للتوضيح.
و{الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى
وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى}
[الأعلى: 2 - 4]، وُصِفَ بكل صفة من هذه الصفات، ومُدِح بها،
وأُثْنِىَ عليه بها. وكانت كل صفة من هذه الصفات مستوجبة
لذلك.
___________________
المجلد السادس عشر
مجموع الفتاوي لابن تيمية