الإجابة
فصــل:
وأما سؤال السائل: هل يجب على ولي الأمر زجرهم وردعهم؟ فنعم، يجب
ذلك في هؤلاء، وفي كل من أظهر مقالة تخالف الكتاب والسنة؛ فإن ذلك من
[المنكر] الذي أمر الله بالنهي عنه، كما قال تعالى:{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى
الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ
وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }[آل عمران:104]،
وهو من [الإثم] الذي قال الله فيه:{ لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ
وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ
}[المائدة:63].
وكل من أثبت لله ما نفاه عن نفسه أو نفي عن الله ما أثبته لنفسه من
المعطلة والممثلة، فإنه قال على الله غير الحق، وذلك مما زجر الله عنه
بقوله للنصارى:{ يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى
اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ} [النساء:171]، وبقوله:{
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ
تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء
قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ
عَن سَوَاء السَّبِيلِ } [المائدة:77]، وقال عن
الشيطان:{ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ
بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ
تَعْلَمُونَ }[البقرة:169]، وقال:{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ
مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ
الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ
سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
} [الأعراف:33].
فإن من قال غير الحق، فقد قال على الله مالا يعلم؛ فإن الباطل لا
يعلم إلا إذا علم بطلانه، فأما اعتقاد أنه الحق فهو جهل لا علم، فمن
قاله، فقد قال مالا يعلم، وكذلك من تبع في هذه الأبواب وغيرها من
أبواب الدين آباءه وأسلافه من غير اعتصام منه بالكتاب والسنة
والإجماع، فإنه ممن ذمه الله في كتابه؛ مثل قوله:{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا
أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا
عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً
وَلاَ يَهْتَدُونَ }[المائدة:104]، وقوله:{ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ
يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا
وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا
فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ
الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً} [الأحزاب:
66ـ 68].
وكذلك من اتبع الظنون والأهواء معتقداً أنها [عقليات] و
[ذوقيات]، فهو ممن قال الله فيه:{ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا
تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى
} [النجم:23]، وإنما يفصل بين الناس فيما تنازعوا فيــه
الكتاب المنزل من السماء،والرسول المؤيد بالأنباء، كما قال تعالى:{
اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا
أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }
[الأحقاف:4]، وقال تعالى:{ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ
اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ
الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا
اخْتَلَفُواْ فِيهِ} [البقرة:213]، وقال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ
مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ
وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } [النساء:59]،
وقال تعالى:{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ
فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ
}[الشورى:10]، بل على الناس أن يلتزموا الأصول الجامعة الكلية
التي اتفق عليها سلف الأمـة وأئمتها؛ فيؤمنون بماوصـف الله به نفسه،
وبما وصفه بــه رسولـه، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا
تمثيل.
وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتي تقام عليه
الحجة، وتبين له المحَجَّة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه
بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الثاني
عشر.