الإجابة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فقد اتفق اهل العلم على كون القرآن شفاء من أدواء الشرك والشبهات ونحوها مما يتعلق بالأديان، واختلفوا فيما وراء ذلك مما يتعلق بالأبدان، فمنهم من أطلق القول بعموم شفائه لجميع العلل والأمراض سواء تعلقت بالأبدان أم تعلقت بالأديان، لعموم الأدلة التي دلت على كونه شفاء، ومنهم من قصر شفاءه لعلل الأبدان على أمراض بعينها كالعين ولدغة ذوات السموم ونحوها، لحديث "لا رقية إلا من عين أو حمة". وحديث سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا رقية إلا في نفس أو حمة أو لدغة"(21)؛ والجمهور على الأول وحملوا هذا الحديث على أنه لا رقية أولى وأنفع من رقية العين والحمة، لما ثبت من أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى بعض أصحابه من غير ما ذكر. وانتصر لذلك ابن القيم في الطب النبوي فقال رحمه الله ( فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية ، وأدواء الدنيا والآخرة ، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به ، وإذا أحسن العليل التداوي به ، ووضعه على دائه بصدق وإيمان ، وقبول تام ، واعتقاد جازم ، واستيفاء شروطه ، لم يقاومه الداء أبدا ، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها ، فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه لمن رزقه الله فهما في كتابه ، قال تعالى : ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) ( سورة العنكبوت - الآية 51 ) فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله ، ومن لم يكفه القرآن فلا كفاه الله ) ( الطب النبوي - 352 )
والذي يظهر لي هو قول الجمهور، على أن يجمع المريض في التداوي بين الشفاءين: الديني والدنيوي، وعلى أن لا يستحسر في دعائه فإنه يستجاب للعبد ما لم يستحسر، يقول دعوت ثم دعوت فلم يستجب لي فيستحسر ويدع الدعاء! ولن يعدم الداعي من دعائه خيرا، إما أن يعجل الله له إجابة دعوته فيصرف الله عنه ما ابتلاه به، أو يدخر له ذلك في الآخرة، أو يصرف عنه من السوء ما هو أشد ضررا، فعلى المريض أن يواصل التماسه للشفاءين، وأن يحسن الظن بربه، وأفضل العبادة انتظار الفرج، والله تعالى أعلى وأعلم