الفتاوى

هل القرآن شفاء من كل داء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : فضيلة المشايخ : هل القرآن شفاء من كل داء بإطلاق؟ فضيلة المشايخ أنا مصاب بالرهاب الاجتماعي منذ 15 سنة وحالي لا يعلمه إلا الله وأنا حالياً عاطل عن العمل عجزاً لا كسلاً. ويعلم الله أني حاولت التخلص مما أنا فيه بشتى الطرق من أدوية نفسية وعلاجات سلوكية وزيارات للأطباء النفسيين وغيرهم , وحالي من سيء إلى أسوء , والحمد لله على كل حال . فضيلة المشايخ سؤالي محدد ذكرته في الأعلى علماً بأني لم أسألك إلا لأني قد قرأت على نفسي رقية شرعية مكثفة على فترتين يومياً مقدار الفترة ساعة ونصف وادهنت بزيت الزيتون وشربت من ماء زمزم وتضرعت إلى ربي لكشف ما أنا فيه واستمريت على هذا الحال لمدة سنة ونصف حتى أيقنت يقيناً تاماً أن الشفاء لو كان خيراً لي ما حرمني ربي إياه وهو أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين وما منعني العافية إلا للطف خفي أراده لي سبحانه وثم بعد هذه المحاولات قررت التعايش مع هذا المرض وتحجيمه قدر الإمكان والإقبال على الله بعبادته ولكني لم أستطع بل شعرت بالانهيار والضيق الشديد. فضيلة المشايخ سؤالي هل القرآن شفاء من كل داء بإطلاق؟ أم أننا نحمل القرآن أكثر مما نحتمل لا سيما أنني قرأت أن طائفة من أهل العلم يرون القرآن شفاء أمراض الشرك والشبهات المضلة والشهوات المحرمة فحسب وبعضهم وسع المفهوم وقال شفاء من الشرك والشهوات وأيضاً من السحر والمس والعين ولدغة العقرب فقط , والبعض الآخر أطلق وقال شفاء من كل مرض عضوي ومعنوي ونفسي أيضاً . ثم ألا يمكن قوله تعالى (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) ليس فيه دليل على عموم الشفاء فقوله تعالى ( شفاء ) بالتنكير يدل على التبعيض ، وأنه شفاء لبعض الأدواء كالسحر والحسد والعين ولدغة العقرب فقط ، لا أنه شفاء لها كلها ، ولو كان القرآن فيه الشفاء لكل الأمراض ما خلق الله دواء آخر غيره ! .. ملاحظة : راسلتكم سابقاً وجاءني حواب على سؤال آخر لا يمت لسؤالي بأي صلة.

الإجابة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله  وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فقد اتفق اهل العلم على كون القرآن شفاء من أدواء الشرك والشبهات ونحوها مما يتعلق بالأديان، واختلفوا فيما وراء ذلك مما يتعلق بالأبدان، فمنهم من أطلق القول بعموم شفائه لجميع العلل والأمراض سواء تعلقت بالأبدان أم تعلقت بالأديان، لعموم الأدلة التي دلت على كونه شفاء، ومنهم من قصر شفاءه لعلل الأبدان على أمراض بعينها كالعين ولدغة ذوات السموم ونحوها، لحديث  "لا رقية إلا من عين أو حمة". وحديث سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا رقية إلا في نفس أو حمة أو لدغة"(21)؛ والجمهور على الأول وحملوا هذا الحديث على أنه لا رقية أولى وأنفع من رقية العين والحمة، لما ثبت من أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى بعض أصحابه من غير ما ذكر. وانتصر لذلك ابن القيم في الطب النبوي فقال رحمه الله ( فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية ، وأدواء الدنيا والآخرة ، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به ، وإذا أحسن العليل التداوي به ، ووضعه على دائه بصدق وإيمان ، وقبول تام ، واعتقاد جازم ، واستيفاء شروطه ، لم يقاومه الداء أبدا ، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها ، فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه لمن رزقه الله فهما في كتابه ، قال تعالى : ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) ( سورة العنكبوت - الآية 51 ) فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله ، ومن لم يكفه القرآن فلا كفاه الله ) ( الطب النبوي - 352 )

والذي يظهر لي هو قول الجمهور، على أن يجمع المريض في التداوي بين الشفاءين: الديني والدنيوي، وعلى أن لا يستحسر في دعائه فإنه يستجاب للعبد ما لم يستحسر، يقول دعوت ثم دعوت فلم يستجب لي فيستحسر ويدع الدعاء! ولن يعدم الداعي من دعائه خيرا، إما أن يعجل الله له  إجابة دعوته فيصرف الله عنه ما ابتلاه به، أو يدخر له ذلك في الآخرة، أو يصرف عنه من السوء ما هو أشد ضررا، فعلى المريض أن يواصل التماسه للشفاءين، وأن يحسن الظن بربه، وأفضل العبادة انتظار الفرج، والله تعالى أعلى وأعلم 

Icon