الفتاوى

ما الفرق بين أنزل ونزل في القرآن؟
 

الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد: فلعل أظهر ما قيل في التفريق بينهما أن  ما كان بزنة ( أفعل ) يدل على النزول دفعة واحدة ، وما كان بزنة ( فَعَّل ) يدل على تكرار النزول وتتابعه ، لأن صيغة ( أَفْعَل ) من معانيها في العربية الدلالة على حدوث الفعل دفعة واحدة ، وصيغة ( فَعَّل ) تدل على تكرار حدوث الفعل ، فقولك مثلا : ( أعلمت فلانا المسألة ) يفيد أنك أفدته به مرة واحدة ، بينما قولك : ( علّمت فلانا الفقه ) يفيد أنك أفدته به على مراحل



 



فصيغة ( أَنْزَلَ ) في الآيات الآتية تدل نزول الكتب السماوية السابقة جملة واحدة ، قال الله عزوجل في نزول التوراة على موسى ـ عليه السلام - إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )



 



وقال الله تبارك تعالى في نزول الإنجيل على عيسى ـ عليه السلام ـ : ( وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )



 



وقال الله سبحانه في نزول القرآن جملة إلى بيت العزة في السماء الدنيا (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ([3]) وبين في آية أخرى أنه أنزله في ليلة مباركة من ليالي رمضان فقال : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ) ، وبين في سورة القدر أنها ليلة القدر فقال عز شانه: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ )



 



أما صيغة ( نَزَّلَ ) فتدل في الآيات الآتية على نزول القرآن مفرقا منجما على الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمن ذلك قوله تعالى  (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِئُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ )، وقوله سبحانه : (مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)



 



ونزول القرآن مفرقا منجما في ثلاث وعشرين سنة هو صريح قوله سبحانه وتعالى : (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلا ً) ، واستعمال صيغة ( نَزَّلَ ) في الدلالة على ذلك واضحة في الآية فقال سبحانه : (وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلا ً).



 



ويدل تخصيص صيغة ( نَزَّلَ ) بالقرآن الكريم عند الجمع بينه وبين الكتب السماوية السابقة على إرادة نزوله مفرقا منجما ، وإرادة نزولها جملة ، فتأمل في قوله تعالى : ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ) وقوله جل جلاله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً )



 



قال ابن حجر في فتح الباري : ( وَيُؤَيِّد التَّفْصِيل قَوْله تَعَالَى : ( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَالْكِتَاب الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُوله وَالْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْل ) فَإِنَّ الْمُرَاد بِالْكِتَابِ الْأَوَّل الْقُرْآن وَبِالثَّانِي مَا عَدَاهُ ، وَالْقُرْآن نَزَلَ نُجُومًا إِلَى الْأَرْض بِحَسَب الْوَقَائِع بِخِلَافِ غَيْره مِنْ الْكُتُب) والله تعالى أعلى وأعلم

Icon