ما معنى قوله تعالى: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ، وكيف نجمع بين معناها وبين قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم؟
ج: هذه الآية الكريمة قد أشكلت على كثير من الصحابة لما نزلت وهي قوله تعالى: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فقد شقّ عليهم هذا الأمر، وجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكروا أن هذا شيءٌ لا يطيقونه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَين من قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا، بَلْ قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا فقالوا: سمعنا وأطعنا فلما قالوها وذلّتْ بها ألسنتهم أنزل الله بعدها قوله سبحانه: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا فسامحهم الله وعفا سبحانه وتعالى ونسخ ما دلَّ عليه مضمون هذه الآية، وأنهم لا يؤاخذون إلا بما عملوا وبما أصروا عليه وثبتوا عليه؛ وأمّا ما يخطر من الخطرات في النفوس والقلوب؛ فهذا معفو عنه ولهذا صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ عن أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتكَلَّمْ فنزل هذا الأمر والحمد لله، وصارالمؤمن غير مؤاخذ إلا بما عمله أو قال أو أصرَّ عليه بقلبه عملاً من قلبه، كإصراره على ما يقع له من الكبر والنفاق، ونحو ذلك، أما الخواطر التي تعرض والشكوك التي تعرض ثم تزول بالإيمان واليقين ، هذه لا تضرُّ، بل هي عارض من الشيطان ولا تضر، ولهذا لما قال الصحابة: يا رسول الله إن أحدنا يجد في قلبه ما لأن يخرَّ من السماء أسهل عليه من أن ينطق به، أو كما قالوا: قال ذَاكَ صَرِيحُ الِإيمَانِ وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُحَدِّثُ أَنْفُسَنَا باِلشَّيْءِ لَأنْ يَكُونَ أَحَدُنَا حُمَمَةً أَحَبُّ إلَِيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بهِِ؟ قَالَ: فَقَالَ أَحَدُهُمَا: الْحَمْدُ للَِّهِ الَّذِي لَمْ يَقْدِرْ مِنْكُمْ إلاَّ عَلَى الْوَسْوَسَِة وَقَالَ: الآخَرُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ أَمْرَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ إذا رأى من المؤمن الصدق والإخلاص، وصحة الإيمان والرغبة فيما عند الله، وسوس عليه بعض الشيء وألقى في قلبه خواطر خبيثة، فإذا جاهدها وحاربها بالإيمان والتعوذ بالله من الشيطان سلم من شرِّها، ولهذا جاء في الحديث الآخر، يقول عليه الصلاة والسلام : لا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يَقُولُوا: هَذَا
اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَْيءٍ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟
الإجابة
قَالَ: فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلكَِ فَلْيَقُلْ: آمَنت بِاللَّهِ ورسله وفي لفظ: فَلْيَسْتَعِذْ باللَّهِ وَلْيَنْتَهِ هذا يدلنا على أن الإنسان عرضة لوساوس الشيطان فإن عرض له وساوس خُبْث وخطرات منكرة فليبتعد عنها وليقل: آمنت بالله ورسله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولينته ولا يلتفت إليها فإنها باطلة ولا تضره وهي من الخطرات التي عفا الله عنها سبحانه وتعالى .