الإجابة
عندما نزلت هذه الآية شقّتْ على الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقولوا: "سمعنا وأطعنا" لما أنزل الله قوله: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ شق عليهم وجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: (إن هذا شيء لا نطيقه فقال: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَين من قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا، بَلْ قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا فقالوا: سمعنا وأطعنا، فلما قالوها وذلّت بها ألسنتهم أنزل الله قوله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ثم أنزل الله بعدها لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا فنسخت قوله: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فنسخ قوله أَوْ تُخْفُوهُ وسامحهم عما وقع في النفوس بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: إنَّ اللَّهَ عََّز وَجََّل تَجَاوَزَ عن أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتكَلَّمْ فما كان الوساوس في الصدور، فهو معفو عنه ما لم يعمل به العبد، أو يتكلّم كما دلَّ عليه الحديث الصحيح، ودل عليه قوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لكن إذا استقر في القلب وصار عملاً يؤاخذ به الإنسان، إذا استقر به في قلبه المنكر من الكبر والخيلاء أو النفاق، أو غير هذا من أعمال القلوب الخبيثة، يؤاخذ به الإنسان، أمّا إذا كان عوارض تخطر بالبال، ولا تستقر فالله سبحانه وتعالى لا يحاسب عليها، بل يتجاوز عنها جل وعلا، فقوله سبحانه: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ هذا بالنسبة إلى المستقرّ المقيم في القلوب من أعمال القلوب، يؤاخذ به الإنسان من نفاق ورياء وكِبر وغير هذا من أعمال القلوب واعتقادات باطلة، سواء أظهرها أو أخفاها فهو مؤاخذ بها، أمَّا ما يعرض للإنسان فالله قد سامحه فيه، وعفا عنه سبحانه وتعالى، ودَلَّت السنة على أن قوله يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ، فيما يستقر وفيما يبقى في القلوب، أمّا ما يعرض بها ويزول فالله يسامح به سبحانه وتعالى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ عن أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتكَلَّمْ فالعمل يكون بالقلب ويكون بالجوارح، فإذا عمل بقلبه، أبغض في الله وأحب في الله، أخذ بهذا أجراً على المحبة وبهذا إثماً على البغضاء إذا أبغض من لا يستحق البغضاء، فالمقصود أن أعمال القلب إذا استقرت يؤاخذ بها، فالمحبة في الله والبغضاء في الله يؤجر بها المؤمن، وإذا فعل بقلبه خلاف ذلك من بغض المؤمنين أو التكبر على أحد أو النفاق أو الرياء، أخذ بذلك لأنها أعمال قلبية كالأعمال الإيمانية، سواء بسواء .