الإجابة
- يَعْنِي وَقَدْ بَلِيتَ، قَالَ: إنَِّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الَأرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ هذا خاص بالصلاة عليه، عليه الصلاة والسلام ، وفي اللفظ الآخر إنَِّ لِلَّهِ فِي الَأَرْضِ مَلاَئِكَةً سَيَّاحِينَ، يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلاَمَ هذا شيء خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام، أنه يبلغ ذلك. وأما أن يأتي من ظلم نفسه؛ ليتوب عند القبر ويستغفر عند القبر فهذا لا أصل له، بل هو منكر ولا يجوز وهو وسيلة للشرك وسيلة أن يأتي فيسأله الشفاعة أو يسأله شفاء المريض أو كذا أو كذا، أو يسأله أن يدعو له، وهذا لا يجوز لأن هذا ليس من خصائصه عليه الصلاة والسلام بعد وفاته ولا من خصائص غيره، فكل من مات لا يدعى ولا يطلب منه الشفاعة ، لا النبي عليه الصلاة والسلام ولا غيره، إنما الشفاعة تطلب منه في حياته صلى الله عليه وسلم، فيقول الرجل: يا رسول الله اشفع لي أن يغفر الله لي، اشفع لي أن يشفي الله مريضي، أن يرد غائبي، أن يعطيني كذا وكذا، وهكذا يوم القيامة، بعد البعث والنشور؛ لأنهم أحياء فإن الناس يأتون آدم ليشفع لهم، حتى يقضى بينهم فيعتذر، ويحيلهم إلى نوح فيعتذر نوح ثم يحيلهم إلى إبراهيم فيعتذر، ثم يحيلهم إلى موسى فيعتذر ثم يحيلهم موسى إلى عيسى ، فيعتذر عليهم الصلاة والسلام ، ثم يحيلهم عيسى إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول: أنا لها فيتقدم ويسجد تحت العرش، عليه الصلاة والسلام ، ويحمد ربَّه بمحامد عظيمة، ثم يشفع في أهل الموقف حتى يُقضى بينهم وهكذ يشفع في أهل الجنة، حتى يدخلوا الجنة لأنه حي قائم موجود، أمَّا في البرزخ بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فلا يُسأل الشفاعة ولا يُسأل أن يستغفر للناس، ولا يُسأل شفاء المريض ولا رد الغائب ولا غير ذلك من الأمور وهكذا بقية الأموات، لا يسألون شيئاً من هذه الأمور، بل يدعى لهم ويستغفر لهم إذا كانوا مسلمين، كذلك قوله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ الآية على ظاهرها يعني لا يجوز للمسلمين أن يخرجوا عن شريعة الله، بل يجب على المسلم أن يحكّم شرع الله في كل شيء ، فيما يتعلق بالعبادات وفيما يتعلق بالمعاملات، في جميع الشؤون؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ ويقول عز وجل: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ويقول: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ويقول: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ويقول: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ هذا عام لجميع الشؤون ولهذا قال سبحانه: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ يعني الناس يعني المسلمين، حَتَّى يُحَكِّمُوكَ يعني محمداً صلى الله عليه وسلم يعني يحكِّموا السنة بعد وفاته، يحكموه في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته يكون التحكيم لسنته مع القرآن العظيم، حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ يعني فيما تنازعوا فيه، هذا هو الواجب عليهم أن يحكموا القرآن الكريم، والرسول صلى الله عليه وسلم في حياته، وبعد وفاته يحكموا سنته التي هي شرح القرآن، وتفسير القرآن والدالة على معانيه، ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا يعني يجب أن تنشرح صدورهم، وألاّ يبقى في صدورهم حرج من حكمه عليه الصلاة والسلام ؛ لأن حكمه هو الحق الذي لا ريب فيه، فالواجب التسليم له وانشراح الصدر بذلك، وعدم الحرج بل يسلم المؤمن بذلك تسليماً كاملاً، راضياً بحكم الله مطمئناً إليه، هذا هو الواجب على جميع المسلمين فيما شجر بينهم من الدعاوى والخصومات، سواء كانت تتعلق بالعبادات أو بالأموال أو بالأنكحة، أو بالطلاق أو بغيرها من شؤونهم، والإيمان هنا: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ هو أصل الإيمان بالنسبة إلى تحكيم الشريعة، والرضا بها والإيمان بأنها الحكم بين الناس فلا بدّ من هذا، فمن زعم شيئاً يحكم بغير ذلك، وأنه يجوز أن يتحاكم الناس إلى الآباء والأجداد أو إلى القوانين الوضعية التي وضعها الرجال، سواء كانت شرقية أو غربية، من زعم أن هذا يجوز، فإن الإيمان منتفٍ عنه، وهذا كفر أكبر، فإذا رأى أن شرع الله لا يجب تحكيمه، ولكن لو حكم كان أفضل، أو يرى أن القانون أفضل، أو يرى أن القانون مساوٍ لحكم الله، كل هذا ردة عن الإسلام ، وهي ثلاثة أحوال: - الحالة الأولى: أن يقول: إن الشرع أفضل، لكن لا مانع من تحكيم غير الشرع، هذا ردة أيضاً ولو قال: إن الشرع أفضل. - الحالة الثانية: أن يقول: إن الشرع والقانون سواء ولا فرق فهذا ردة أيضاً. - الحالة الثالثة: أن يقول: القانون أفضل وأولى من الشرع وهذا أردأ الثلاثة وأقبحها وهو كفر أيضاً وردة عن الإسلام ، أما الذي يرى أن الواجب تحكيم الشرع، وأنه لا يجوز تحكيم القانون ولكنه حكم بغير ما أنزل الله لهوى في نفسه، ضد المحكوم عليه أو لرشوة أو ما أشبه ذلك من الأسباب، وهو يعلم أنه ظالم ومخطئ ومخالف للشرع، هذا يكون نفي الإيمان في حقه نفي الإيمان الواجب، لا أصل الإيمان؛ لأنه مؤمن مسلّم بأن حكم الله هو الحق، وأنه عاصٍ بعمله، ولكنه حمله على حب المال، حتى حكم بغير ما أنزل الله، بسبب الرشوة أو العداوة بينه وبين المحكوم عليه، أو لمحبة المحكوم له وقرابته ونحو ذلك، فيكون هذا منكراً عظيماً، وكبيرة عظيمة ونوعا من الكفر، لكنه مثل ما قال ابن عباس: كفرٌ دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، وهكذا قال مجاهد وجماعة: قالوا: إن الحكم في هذا كفر أصغر، وفسق أصغر، وظلم أصغر؛ لأنه مؤمن بحكم الله، مقتنع به، يعلم أنه الحق، وأن ما حُكم به حكم باطل، وأنه عاصٍ لله، فلهذا صار بذلك ناقص الإيمان، ضعيف الإيمان، قد نُفي الإيمان عنه، الإيمان الواجب الكامل، لا نفي لأصله، الذي يجعله مرتدّاً، وهذا هو الحق الذي عليه جمهور أهل العلم، الذي لا ريب فيه أنه معتمد، ولا شك أن الحكم بغير ما أنزل الله الذي وقعت فيه دول كثيرة هو من المنكرات العظيمة، فهي بهذا العمل إذا كانت ترى أن حكم القانون أفضل وأولى أو أنه مساوٍ لحكم الله، أو أنه يجوز الحكم به فهذا كفر أكبر، وردة عن الإسلام- أعوذ بالله- بإجماع المسلمين ولا نزاع في هذا وإنما الكلام إذا كانوا يعلمون أنهم مخطئون، وأنهم عاصون بهذا الأمر، ولكن فعلوه لهوىً أو لإرضاء بعض الشعب، أو لأسبابٍ أُخرى، فعلوه لا يعتقدون حلّ ما فعلوه، بل يعلمون أنهم عاصون فيما فعلوا، ولكن فعلوه كما يفعل القاضي الذي يأخذ الرشوة، أو حَكَمَ لقريبه على غير قريبه، ويعلم أنه عاصٍ ومخالف لحكم الله، فإنه لا يرتد بذلك، ولكن يكون عاصياً وقد أتى كفراً دون كفر وظلماً دون ظلم وفسقاً دون فسق، وهذا معنى كلام السلف كابن عباس وغيره. وإثارة هذا الموضوع مرة بعد مرة مهم جدّاً، لينتبه العالم الإسلامي لهذا الأمر، ولينتبه الحكّام نسأل الله لنا ولهم الهداية، والمشاجرة في الآية فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ تَعُمّ، مثل المشاجرة التي تقع بين الناس في أمور دنياهم كالبيع والشراء، والبنايات وأشباه ذلك، وقد تكون مشاجرة لمعرفة حكم الله في العبادات وغيرها، يتشاجرون فهذا يقول: هذا حرام، وهذا يقول: هذا مباح وهذا يقول: هذا واجب وهذا يقول: غير واجب، فالمرد في هذا إلى كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، لا إلى أهواء الناس وعاداتهم وآرائهم .