الفتاوى

رسالة من سوريا ، حماة ، من الأخ: أ. ح. يقول: أرجو أن تتفضلوا بتفسير قول الله تعالى: الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا...
رسالة من سوريا ، حماة ، من الأخ: أ. ح. يقول: أرجو أن تتفضلوا بتفسير قول الله تعالى: الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا جزاكم الله خيرًا ؟

الإجابة

هذه الآية من آيات الصفات، الله جل وعلا بيّن فيها وفي غيرها أنه خالق السموات والأرض وما بينهما، هو الخلاق العليم لكل شيء، لا خالق سواه ولا رب سواه سبحانه وتعالى . قال تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ . وقال سبحانه: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا . وقوله سبحانه: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ . هذا وصف لنفسه، بأنه استوى على العرش وهذا في سبعة مواضع من القرآن، قال جل وعلا في سورة طه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى . وفي سورة الأعراف: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ فهذه الآية العظيمة وما جاء في معناها في المواضع السبعة، كلها دالة على إثبات الاستواء، وأن الله جل وعلا استوى على العرش ، استواءً يليق بجلاله وعظمته لا يشابه الخلق في شيء من صفاته، بل له سبحانه صفات خاصة تليق به على أكمل وجه، وخير وجه كما قال سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ . وقال سبحانه: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ . وقال عز وجل: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا . وقال سبحانه: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ فالاستواء هو العلو والارتفاع، يعني ارتفع فوق العرش وعلا فوق العرش ارتفاعًا يليق بجلاله، لا يشابه خلقه في استوائهم على سطوحهم أو على سفنهم، أو على سياراتهم استواء يليق به وارتفاعاً يليق به، لا يشبه خلقه بشيء من صفاته، مثل العلو، ولهذا يقال: استوى على السفينة أي صار فوقها، استوى على السطح صار فوقه، استوى على الدابة صار فوقها، فالاستواء على الشيء العلو فوقه، والارتفاع فوقه، لكن استواء الرب يليق به لا يشابه المخلوقات في استوائها، وهكذا بقية الصفات، الرحمة رحمة تليق بالله، والرحمن الرحيم، رحمة خاصة وعامة، تعم المخلوقات كلهم ورحمة خاصة بالمؤمنين تخصهم، وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ، المقصود أن الرحمة وصف خاص غير الإرادة وبعض أهل العلم يؤول يقول: الرحمن معناه من له إرادة الإعانة والرحمة، هذا غلط وتأويل، والصواب عند أهل السنة أن الرحمة غير الإرادة، الإرادة صفة مستقلة وله سبحانه إرادتان: قدرية وشرعية ، فالقدرية مثل قوله جل وعلا: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ . سبحانه وتعالى، ومثل قوله جل وعلا: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ ، وهناك إرادة شرعية مثل قوله جل وعلا : يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ، إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا هذه إرادة شرعية، يعني أراد الله شرعاً أن يطهر أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأراد شرعاً أن يبين للناس أحكام دينهم ويفهمهم إياها، لكن من الناس من يفهم ويتعلم ومن الناس من لا يفقه، فليس كلهم مهتدين، أما الإرادة القدرية فهي نافذة لا يمنعها شيء كما قال عز وجل: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ، هذه إرادة قدرية نافذة، وهكذا قوله جل وعلا: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ ، هذه إرادة كونية إذا أراد هداية العبد إرادة كونية شرح صدره للإسلام، ومنَّ عليه بالقبول حتى يهتدي، وهكذا الغضب صفة خاصة تليق بالله، وبعض العلماء يقول إرادة الانتقام وهذا غلط؛ لأن الغضب غير الانتقام، الإرادة شيء والغضب شيء آخر، الغضب يوصف الله به كما قال جل وعلا: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ في قاتل نفسه، المقصود أن الغضب وصف، الله يغضب على أعدائه، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ . اليهود والنصارى والكفرة، مغضوب عليهم، غضب من الله وسوء عقاب؛ الله لا يشابه الخلق فيه، كالرضا والرحمة، وكالإرادة وغير ذلك، صفة مستقلة، هو رحيم بالمؤمنين، رحيم بالناس ويغضب على من عصاه وخالف أمره، وغضبه يليق به، لا يشابه غضب المخلوقين، كما أن رضاه لا يشابه رضا المخلوقين، وهكذا استواؤه وهكذا محبته، وهكذا رحمته، كلها صفات حق لا تشابه صفات المخلوقين عند أهل السنة والجماعة؛ لأن الله سبحانه يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ هو سبحانه الرحمن الرحيم، موصوف بالرحمة، صفة تليق بالله، لا يشابه فيها خلقه جل وعلا، يغضب على من عصاه غضباً يليق بالله، لا يشابه خلقه في غضبه، وهكذا إرادته وهكذا يده، وهكذا سمعه وبصره، كلها صفات تليق بالله، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته جل وعلا .

Icon