الإجابة
ليس هناك تعارض يا أخي، الله جل وعلا بيّن لنا أن ما أصابنا هو بأسباب كسبنا، وبين أن ما يقع هو بقضائه وقدره، ولن يصيبنا إلاَّ ما كتب الله لنا، فقد سبق علمه وقدره بكل شيء ، ولكنه سبحانه علَّق ما أصابنا مما يضرنا، أنه بأسباب معاصينا، وإن كانت مكتوبة مقدرة لكن لنا كسب، ولنا عمل، ولنا اختيار، فكل شيء يقع بقدر، من الطاعات والمعاصي، فما وقع منا من معاصٍ هو ما اعتبر من كسبنا، ومن عملنا ونحن مؤاخذون به، إذا فعلناه وعندنا عقولنا، ولهذا قال سبحانه: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ وفي الآية الأخرى مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ فلا تنافي بين القدر وبين العمل، فالقدر سابق ولله سبحانه وتعالى الحجة البالغة، والأعمال إنما هي أعمالنا، كالزنى وشرب الخمر وترك الصلاة ، والعقوق، وقطيعة الرحم ونحن نستحق عليها العقوبة، بسبب تفريطنا وتقصيرنا؛ لأن لنا أختياراً ولنا عمل ينسب إلينا، وإن كان سبق في علم الله كتابته وتقديره، فالقدر ليس حجة على فعل المعايب والمنكرات ، فالله سبحانه وتعالى له الحكمة البالغة، فيما مضى به قدره وعلمه وكتابته، ونحن مسؤولون عن أعمالنا وعن أخطائنا وتقصيرنا، ومؤاخذون بذلك إلاَّ أن يعفو ربنا عنا، وبهذا تعلم أنه لا منافاة بين الآيتين، فإحداهما تدل على أن أعمالنا من كسبنا وأنا نستحق عليها العقوبة؛ لأنها أعمال لنا باختيارنا، والآية الأخرى تدل على أنه قد مضى في علم الله كتابتها وتقديرها، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيَر الْخَلاَئِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ فهو سبحانه العليم الحكيم العالم بكل شيء، الذي سبق علمه بكل شيء سبحانه وتعالى، وكتب كل شيء، وفي الآية الأخرى قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ فكتاب الله سابق وعلمه سابق سبحانه وتعالى، وقدره سابق وأعمالنا محصاة علينا، ومنسوبة إلينا ومكتوبة علينا، وهي من كسبنا وعملنا واختيارنا، فنجزى على الطيب الجزاء الحسن، من الطاعات وأنواع الخير والذكر ونستحق العقاب على سيئها من العقوق والزنى والسرقة وسائر المعاصي والمخالفات .