الفتاوى

من بلاغة القرآن العظيم
بعض السور في القرآن الكريم بدأت (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض)، والأخرى بدأت بـ (سبح لله ما في السماوات والأرض)، ما الفرق في الحالتين؟

الإجابة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن من بلاغة هذا القرآن العظيم وإعجازه الخالد أن كل كلمة فيه وكل حرف وضع في موضعه المناسب من السياق, ويعبر عن معنى أو معان لا يطلع عليها إلا من له اطلاع واسع على لغة العرب ورزقه الله تعالى تدبر كتابه ونور قلبه وألهمه دقيق المعاني, فكل جملة أو كلمة أو حرف في كتاب الله تعالى وضع في موضع يناسبه مناسبة عجيبة، ومن الأمثلة على ذلك ما سأل عنه السائل الكريم:

ففي بداية سورة الحديد وحدها جاء قول الله تعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  {الحديد:1}، وفي غيرها من المسبحات جاء قوله تعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ {الحشر:1}، وذلك لأن سورة الحديد تضمنت الاستدلال على عظمة الله تعالى وصفاته وانفراده بخلق السماوات والأرض فكان دليل ذلك هو مجموع ما احتوت عليه السماوات والأرض من أصناف الموجودات فجمع ذلك كله في اسم واحد هو (ما) الموصولة التي صلتها قوله (في السماوات والأرض).

وأما سورة الحشر أو الصف، والجمعة، والتغابن فقد سيقت لنعمة الله تعالى ومنته على المسلمين في حوادث أرضية مختلفة فناسب أن يذكر أهل الأرض باسم موصول خاص بهم وهو (ما) الموصولة الثانية التي صلتها (في الأرض)، وجيء بفعل التسبيح في فواتح سور الحديد والحشر والصف بصيغة الماضي للدلالة على أن التسبيح قد استقر في قديم الزمان، وجيء به في سورة الجمعة والتغابن بصيغة المضارع للدلالة على تجدده ودوامه... فحصل من هذا التفنن في فواتح هذه السور كلا المعنين. انتهى ملخصا بتصرف من كتاب التحرير والتنوير لابن عاشور

وبهذا تعلم الفرق بين قوله تعالى (ما في السماوات والأرض) في سورة الحديد وبين قوله تعالى (وما في الأرض) في سورة الحشر والصف والجمعة والتغابن.

والله أعلم.

Icon