كيف يَسْتَشْعِر المُسلمُ مناسك الحج حينَ تَأْدِيَتِها، خَاصَّةً في هذا الزَّمان الذِّي انْشَغَل أَهْلُهُ بالمال والبنين؟
استِشْعَار العِبادات عُمُوماً هُو لُبُّها وهو رُوحُها ، شخص يُصلِّي ولا يدري ما الصَّلاة ! شخص يَصُوم ويومُ صَومِهِ ويومُ لَهْوِهِ سَواء! لا فَرْقَ بينهُما ، يَعْتَكِفْ وكَأَنَّهُ في اسْتِرَاحة! يَحُجّ وكأنَّهُ في نُزْهَة! مثل هذا لا يُمْكِنْ أنْ يَسْتَشْعِر إذا لمْ يَكُن اتِّصَالُهُ بالله -جلَّ وعلا- وَثِيقاً في سَائِرِ عُمُرِهِ؛ فإنَّهُ لا يُعَان على هذا؛ بلْ على الإنْسَانْ أنْ يَتَعَرَّفْ على الله -جلَّ وعلا- في الرَّخاء؛ لِيَعْرِفُهُ في الشِّدَّة ، وكثيرٌ من النَّاس في السَّنة هذهِ في رمضان في العشر الأواخر وُجِدْ منْ يُصلِّي منْ بَعْدِ صلاة التَّراويح إلى صلاة التَّهَجُّد!!! بدُونِ فاصِل، يُصلِّي ركعتين ركعتين؛ لكنْ بدُونِ فاصِل هذا توفيق من الله -جلَّ وعلا-... هل يُوَفَّق لمِثْلِ هذا مَنْ شَغَلَ أوْقَاتَهُ باللَّهُو؟! ولا يَعْرِف الوتر إلاَّ ركعة أحياناً، وأحياناً لا يُعَانْ عليها! مِثْلِ هذا لا يُعان على مِثْلِ هذا في الأوقات الفَاضِلَة، وقد رَأيْنا من الصَّالِحين منْ يَسْتَغِلّ الوقت بعد صلاة التَّراويح إلى أنْ عُدْنَا لصلاة التَّهَجُّد وهو رافعٌ يديهِ يدعُو الله -جلَّ وعلا-! كيفَ يُعان على مثل هذا في سَائِرِ وقتِهِ لا يَعْرِفُ الله -جلَّ وعلا- إلاَّ بِجَسَدِهِ دُونَ قَلْبِهِ ورُوحِهِ؟! ندخُل المسجد وكأنَّنا داخلين مَلْهَى!!! نسأل الله العافية، ويَسْهُو الإمام، ويَتَجَاوز أحياناً آيات ونحنُ كأنَّنا لا نَشْعُر! والإمام نَفْسُهُ أيضاً قد يقرأ الآيات المُؤَثِّرة ولا يَتَأثَّر! ولا أحد من المأمُومين يَتَأَثَّر، وإذا تأثَّر الإمام وبَكَى في بعض آية تَجِد تَكْمِلَتَهُ للآية كلا شيء! كأنَّ شيئاً لمْ يَحْصُل! هل هذا تأثُّر؟! يعني قد يَبْكِي في جُزْءٍ من الآية، ثُمَّ بعد الآية يُنْهِيها على شيءٍ من التَّعتعة؛ لكنْ الآية الثَّانية التِّي تَلِيها كأنَّ شيئاً لمْ يَحْصُل! هل هذا تأثُّر؟! عُرِف من حال السَّلف أنَّ الإنسان إذا خَشَع في صَلاتِهِ أو في تِلاوتِهِ في اللَّيل يُعَاد في النَّهار!!! فنحتاج إلى مُراجعة، الصَّلاة التِّي لا تَنْهَى عن الفحشاء والمُنكر هذهِ بدُون لُبّ، الصِّيام الذِّي لا يَدُلُّ على التَّقوى بدُون لُبّ، في قولِهِ -جلَّ وعلا-: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة/203]، {لِمَنِ اتَّقَى} فَرَفعُ الإثْمِ لمن؟! لِمَنْ اتَّقَى، هذا خاصّ بالمُتأخِّر؟ أو يشمل المُتأخِّر والمُتَعَجِّل؟ لِمَنْ اتَّقَى يعني لمن تأخَّر ولاَّ الجميع؟ الجميع ، لا يُرْفَع الإثم عن الجميع سواءً تَعَجَّل أو تَأَخَّر إلاَّ إذا اقْتَرَنَ حَجُّهُ بالتَّقوى، ورفعُ الإثمِ هُنا كقولِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: ((رَجَعَ من ذُنُوبِهِ كيوم وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)) والذِّي لا يَسْتَشْعِر مثل هذهِ الأفْعَال، ومِثل هذهِ المناسك، ولا يُعَظِّمها حقَّ تعظِيمها، ما عَظَّم الله -جلَّ وعلا-، ولا وُجِدَتْ تَقْوَاهُ في قلبِهِ، تَعْظِيمُ الشَّعائِر من تَقْوَى القُلُوب، فالإنسان يدخُل على أيِّ هَيْئَة، وشخص يدخل المسجد ويَنتظِر شخصاً ظَاهِرُهُ الصَّلاح ومُلتحي يَنتظِر شخصاً خَشْيَة أنْ يخرج قبلَهُ لأنّ فاتته بعض الرَّكعات إلى أنْ سَلَّم الإمام فَكَلَّمَهُ ثُمَّ عاد يُصلِّي!!! هذا حَصَل! ومع ذلك يأتي شخص مثلاً، وجاء من المواضئ توضَّأ حاسرٌ رأسه، شماغُهُ على كتفِهِ، والعِقال على يدِهِ، ويصفّ ويُصلِّي ركعة ما بعد كمَّل، ما بعد لبس الشماغ، ولا بعد عدَّل عقاله ولا يديه، مثل هذا يستشعر عظمة هذهِ العِبادة؟! فلا بُدَّ من الاسْتِشْعَار، ولا بُدَّ من اسْتِحْضَار القلب؛ لِتُؤْتِي هذهِ العِبادات ثِمارها، لا يقُول قائل إنَّ هذهِ العِبادات ليست صحيحة باطلة! لا بُدَّ من إعادتها، العِبادة عُمُوماً إذا اشْتَمَلتْ على أرْكَانِها وشُرُوطِها وواجِباتها صَحَّت وسَقَطَ بها الطَّلب؛ لكنْ هل تُؤْتِي الثَّمَرة التِّي منْ أَجْلِها شُرِعَتْ؟! هل حَقَّقَ العُبُودِيَّة التِّي منْ أَجْلِها خُلِق على مُرادِ الله -جلَّ وعلا-؟
الإجابة
! هذا خلل كبير، مثل هذا عُرْضَة لأنْ يَنْحَرِفْ، فلا بُدَّ أنْ يَتَّصِل المُسلم باللهِ -جلَّ وعلا- وتكُون صِلَتُهُ بِهِ وَثِيقَة في حَالِ شِدَّتِهِ ورَخَائِهِ.