أمي سمعها ضعيف ولا تسمعني إلا إذا رفعتُ صوتي، هل آثم برفع صوتي عليها؟
الأمور بمقاصدها، فمَن رفع صوته على أمه أو أبيه أو مَن له حق عليه لا شك أنه يأثم بذلك؛ لأنه خلاف الأدب وخلاف البر، وأما إذا كان رفع صوته لحاجة تقتضي ذلك وتستدعيه فإنه لا يأثم بذلك؛ لأن الحاجة تدعو إلى ذلك، وقد لا يَتحقق الغرض من الكلام إلا مع رفع الصوت، ولما نزل قول الله -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: ٢] كان ثَابِتُ بْنُ قَيْس بْنِ شَمَّاس خطيبًا للنبي -عليه الصلاة والسلام- من الخطباء، ومِن مقتضى الخطبة أن يَرفع الصوت، فلما نزلت هذه الآية قعد ثابتٌ في بيته، وقال: أنا رفعتُ صوتي بين يدي رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، فأخشى أن يكون حبط عملي، فلما علم النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد أن افتقده وسأل عنه، قالوا: هذا شأنه، فقال لأحد الصحابة: «اذهب إليه، فقل له: إنك لست من أهل النار، ولكن من أهل الجنة» [البخاري: 3613]. فمثل هذا يجوز عند الحاجة، والخطبة تقتضي رفع الصوت، فقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا خطب احمرَّتْ عيناه، وعلا صوتُه، واشتد غضبُه، حتى كأنه منذر جيش يقول: صَبَّحَكُم ومَسَّاكُم [البخاري: 867]، فمن مقتضى الخطبة رفع الصوت، لكن يبقى أن رفع الصوت ينبغي أن يكون أيضًا بقدر الحاجة، وبقدر ما يحتاجه الحضور؛ لأن بعض الناس يكون عنده في المسجد نفر يسير ومسجده صغير والمكبرات مرفوعة على أعلى شيء، ويرفع صوته بحيث يُصدّع السامعين، مثل هذا لا يُطلَب، إنما يكون رفع الصوت بقدر الحاجة، والوضع يختلف عما كان قبل وجود هذه المكبرات وعما وُجد بعدها.
فهذه البنت التي ترفع صوتها لإسماع أمها إذا كان هذا هو القصد وبقدر الحاجة لا إثم عليها ولا شيء عليها.
وكما يوجد مثل هذه السائلة التي تتحسس مِن رفع الصوت مع حاجة أمها إلى رفعه، ويوجد مَن هو أشد منها في البر والتحسس لحاجة الوالدين ومعرفة النَّفَس بالنسبة للوالدين فيما يريدانه وما يحبانه وما يكرهانه، وهذا موجود في الأمة، والأمة فيها خير إلى قيام الساعة، يوجد بالمقابل أيضًا خلاف ذلك، فيوجد مَن يَعُق والديه، ويرفع صوته على والديه، بل وُجد من يَمُد يده على والديه، نسأل الله السلامة والعــــافية. فعلى كل حال كما قـــال الله –جــل وعلا-: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: ٤]، فكما يوجد مثل هذه السائلة التي تسأل عن شيء مع أن الحاجة داعية إليه؛ خشيةَ أن تقع في الإثم، يوجد من لا مُبرر لرفع صوته، وإنما يدعوه إلى ذلك إما رِقّةٌ في الدين أو حمقٌ أو ضعفٌ في الرأي، فبعض الناس ظاهره الصلاح، لكن إذا أُكثر عليه: هات لنا كذا، هات لنا كذا، من قِبَلِ الأب أو الأم في أمور لا تشق عليه، تجده يرفع صوته، ويقول: أنا تعبتُ، وأنا مللتُ، وأنا عطَّلتُ مصالحي، وأنا كذا وأنا كذا! هذا يُسمع -مع الأسف- من بعض المنتسبين إلى الإسلام. مع أن النص جاء بمنع "أف" أقل كلمة ممنوعة: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣]، هذه لا تقال، فكيف بما فوقها؟
الإجابة
! لا شك أن هذا أشد منعًا وتحريمًا، نسأل الله -جل وعلا- أن يهدي ضالّ المسلمين، وأن يُصلح النيات والذريات.