الإجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اتخاذ الرسوم والصور طريقا لتفسير آيات القرآن العظيم وشرحها قد لا يخلو من محاذير شرعية، لذا ذهب بعض العلماء إلى المنع منه مطلقا، وصدرت بذلك فتوى اللجنة الدائمة، فقد سئلت اللجنة الدائمة: ما حكم رسم الصور التي تعبر عن الآيات، مثل من يرسم الإبل ويكتب تحتها قوله تعالى: أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ـ وهكذا؟ فأجابت: بعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بما يلي: تفسير آيات القرآن بالرسوم والصور المعبرة عن أحداث القصص من الأشخاص، من أنبياء الله ورسله ـ عليهم الصلاة والسلام ـ والصالحين من عباده، أو من الكفار والشياطين، وما فيها من ذكر جماعات من شجر ونحوه، كل هذا تفسير بدعي محرم لا يجوز فعله، ولا طبعه ولا نشره، ويجب الامتناع عنه، ومنع تداوله مهما كانت نية صاحبه حسنة، كدعوى تقريب فهم الآيات للصغار، أو لحديثي العهد بالإسلام، أو غير ذلك من الأسباب، وذلك لما تشتمل عليه هذه الطريقة في تفسير كتاب الله تعالى من المحاذير الشرعية، ومنها:
أ- أن هذا العمل سواء كان لرسوم ما فيه روح أو لشجر ونحوه عمل مبتدع في تفسير كتاب الله عز وجل، يخالف منهج علماء الأمة قديما وحديثا، وليس هو من طرق التفسير المعروفة عندهم.
2- أن هذا العمل فيه استهانة بحرمة كتاب الله عز وجل، واستخفاف بمعانيه العظيمة.
3- أن هذا العمل وسيلة للتلاعب بتفسير كتاب الله تعالى بالطرق التي لم يشرعها سبحانه.
4- في هذا العمل تمثيل للأنبياء والمرسلين، وتعريضهم للضحك والاستهانة والاستخفاف بهم، ففاعله على خطر عظيم والاستهزاء والاستهانة بنبي كفر عظيم بنص القرآن العظيم.
5- رسم صور الأنبياء المتخيلة سبب ظاهر لفتنة الشرك بالله تعالى ونقض التوحيد، كما قص الله علينا خبر الذين اتخذوا ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا، فقال تعالى: وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا ـ فالشرك إنما وقع في قوم نوح لما صوروا هؤلاء الصالحين، ونصبوا صورهم في مجالسهم، فآلت بهم الحال إلى عبادتهم.
6- أن تصوير ذوات الأرواح حرام، لدلالة كثير من الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحاح والسنن والمسانيد على تحريم تصوير كل ذي روح آدميا كان أو غيره، وهتك الستور التي فيها الصور، والأمر بطمس الصور، ولعن المصورين وبيان أنهم أشد الناس عذابا يوم القيامة، ونحن نذكر لكم جملة من الأحاديث الصحيحة الواردة في هذا الباب، ففي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي، فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة ـ وهذا لفظ مسلم، وفيهما - أيضا - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ـ ولهما عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم: أحيوا ما خلقتم ـ هذا لفظ البخاري، وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه هتكه وتلون وجهه، وقال: يا عائشة، أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله، قالت عائشة: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين ـ رواه مسلم وغيره من الأحاديث الكثيرة. علما أن هذه الطريقة كما يحرم عملها في تفسير آيات القرآن العظيم، فكذلك يحرم عملها في شرح أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، للاشتمال على هذه المحاذير الشرعية نفسها. اهـ.
والله أعلم.