الإجابة
الحمد لله
قال الله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا الفتح/18.
فالله سبحانه وتعالى وصف المبايعين بالمؤمنين، فنفى عنهم النفاق، وبشرهم برضاه عنهم .
ويؤكد شمول هذا الوصف والوعد لكل المبايعين حديث جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ: أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ .
وَكُنَّا أَلْفًا وَأَرْبَعَ مِائَةٍ، وَلَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ اليَوْمَ ، لَأَرَيْتُكُمْ مَكَانَ الشَّجَرَةِ" رواه البخاري (4154) ومسلم (1856).
وحديث جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أبو داود (4653)، والترمذي (3860) وقال: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ".
كما يتأكد هذا بمضمون البيعة؛ فوردت روايات بأنها كانت على: أن لا يفروا.
عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: " لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ الشَّجَرَةِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ النَّاسَ، وَأَنَا رَافِعٌ غُصْنًا مِنْ أَغْصَانِهَا عَنْ رَأْسِهِ، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، قَالَ: لَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ، وَلَكِنْ بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ"رواه مسلم (1858).
وفي أخرى بأنه كانت: على الموت.
عَنْ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:" بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ عَدَلْتُ إِلَى ظِلِّ الشَّجَرَةِ، فَلَمَّا خَفَّ النَّاسُ قَالَ: يَا ابْنَ الأَكْوَعِ أَلاَ تُبَايِعُ؟ قَالَ: قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَأَيْضًا ، فَبَايَعْتُهُ الثَّانِيَةَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تُبَايِعُونَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: عَلَى المَوْتِ"رواه البخاري (2960)، ومسلم (1860).
ومثل هذه البيعة الشديدة لا يقدر عليها إلا أهل الإيمان الراسخ؛ فعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، سَمِعَ جَابِرًا، يَسْأَلُ، كَمْ كَانُوا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: "كُنَّا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، فَبَايَعْنَاهُ، وَعُمَرُ آخِذٌ بِيَدِهِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَهِيَ سَمُرَةٌ، فَبَايَعْنَاهُ، غَيْرَ جَدِّ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ، اخْتَبَأَ تَحْتَ بَطْنِ بَعِيرِهِ "رواه مسلم (1856).
ثم هذه النصوص الدالة على إيمان ورضى الله عن جميع المبايعين لم يوجد ما يعارضها؛ فلم تثبت رواية بوجود بعض المنافقين ضمن المبايعين.
كما لا يلزم من وجود منافقين في المدينة أن يكونوا قد تواجدوا في جيش الحديبية، فالعدد الوارد فيمن بايع لا يحيط بجميع المقاتلين من أهل المدينة، فالوارد في الصحيحين أنهم كانوا ألفا وأربعمائة كما سبق في حديث جابر ومعقل بن يسار، وغزوة الخندق التي وقعت قبل الحديبية شهدها حوالي ثلاثة آلاف مقاتل على قول جمهور أهل العلم.
قال الدكتور أكرم ضياء العمري:
" وأما جيش المسلمين – أي يوم الخندق - فقد ذكر ابن إسحاق أنهم ثلاثة آلاف مقاتل. وتابعه جمهور علماء السيرة. وجزم ابن حزم أنهم سبعمائة فقط، وقد بنى ذلك على أساس أن المسلمين كانوا سبعمائة بأحد وبينها وبين الخندق في رأيه سنة واحدة فمن أين صار للمسلمين ثلاثة آلاف مقاتل!!.
ورأي ابن حزم الذي جزم بصحته لا يصح، فالذين شهدوا الوليمة وحدهم في بيت جابر بن عبد الله كانوا ألفا كما في الحديث الصحيح. والذين كانوا يقومون بالدوريات لحراسة المدينة كانوا خمسمائة، فكيف يكون سائر الجيش تسعمائة!!. وما بين أحد والخندق سنتان وقد كبر من الصبيان عدد ممن لم يشهدوا أحدا لصغر سنهم، وقام المسلمون بنشاط كبير في الدعوة إلى الإسلام رغم الأخطار، وكانت الهجرة إلى المدينة تعقب دخول الإسلام، فلا غرابة إذا ما زاد عدد جيش المسلمين " انتهى من "السيرة النبوية" (2 / 426).
فالحاصل؛ أن رضوان الله تعالى عن المبايعين في بيعة الرضوان شامل لجميعهم، ونصوص الوحي من السنة مؤكدة لذلك.
والله أعلم.