الإجابة
الحمد لله
قال تعالى : يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ الأعراف/26 - 27.
والمعنى : " يا بنى آدم، قد أنزلنا عليكم، مِن علياء فضلنا، لباسا يستر عوراتكم، وآخر فاخرا تتجملون به فما بينكم.
ولباس الخشية من الله خير لكم مما عداه، لأَنه يقيكم من عذاب الله.
ذلك الذي منحْناه بني آدم - من أَي نوع كان - هو من آيات الله الشاهدة بقدرته، وفضله ورحمته، لعلهم يتعظون ، فيتورعون عن معاصيه.
وكرر النداءَ لبنى آدم، لأهمية الوصية والموصى لهم.
يا بني آدم لا يوقعنكم الشيطان في الفتنة والمحنة ، بوسوسته ، بتزيين القبيح وتقبيح الحسن، فَتُحْرَمُوا الجنة وتدخلوا النار - فاحذروا أن تفتتنوا بوسوسته فتعاقبوا .. كما فتن أبويكم آدم وحواء، فأَخرجهما من الجنة بسبب اتباعهما إياه، بعد ما تسبب في نزع لباسهما عنهما ، ليريهما عوراتهما. وكشف العورات إهدار للآدمية، وإخلال بمستوى البشرية "، انتهى من "التفسير الوسيط - مجمع البحوث " (3/ 1402).
يقول الشيخ "السعدي" في " تيسير اللطيف المنان " (177): " قال الله لآدم ، في تمتيعه بهذه الجنة: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى - وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى [طه: 118 - 119]، فمكثا في الجنة ما شاء الله ، على هذا الوصف الذي ذكره الله، وعدوهما يراقبهما ، ويراصدهما، وينظر الفرصة فيهما، فلما رأى سرور آدم بهذه الجنة، ورغبته العظيمة في دوامها، جاءه بطريق لطيف في صورة الصديق الناصح، فقال: يا آدم، هل أدلك على شجرة إذا أكلت منها خلدت في هذه الجنة ، ودام لك الملك الذي لا يبلى؟
فلم يزل يوسوس ويزين ويسول ، ويعد ويمني ، ويلقي عليهما من النصائح الظاهرة، وهي أكبر الغش حتى غرهما، فأكلا من الشجرة التي نهاهما الله عنها وحرمها عليهما، فلما أكلا منها بدت لهما سوآتهما بعدما كانا مستورين، وطفقا يخصفان على أنفسهما من أوراق تلك الجنة، أي: يلزقان على أبدانهما العارية؛ ليكون بدل اللباس، وسقط في أيديهما، وظهرت في الحال عقوبة معصيتهما، وناداهما ربهما: أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ [الأعراف: 22].
فأوقع الله في قلبيهما التوبة التامة، والإنابة الصادقة.
فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ [البقرة: 37]، وقالا: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: 23] ، فتاب الله عليهما، ومحا الذنب الذي أصابا، ولكن الأمر الذي حذرهما الله منه، وهو الخروج من هذه الجنة إن تناولا منها : تحتم ومضى، فخرجا منها إلى الأرض التي حُشي خيرها بشرها، وسرورها بكدرها.
وأخبرهما الله أنه لا بد أن يبتليهما وذريتهما، وأن من آمن وعمل صالحا كانت عاقبته خيرا من حالته الأولى، ومن كذب وتولى فآخر أمره الشقاء الأبدي والعذاب السرمدي، وحذر الله الذرية منه فقال:
يا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف: 27].
وأبدلهم الله بذلك اللباس الذي نزعه الشيطان من الأبوين ، بلباس يواري السوآت، ويحصل به الجمال الظاهر في الحياة، ولباس أعلى من ذلك، وهو لباس التقوى، الذي هو لباس القلب والروح بالإيمان والإخلاص والإنابة، والتحلي بكل خلق جميل، والتخلي عن كل خلق رذيل؛ ثم بث الله من آدم وزوجه رجالا كثيرا ونساء، ونشرهم في الأرض، واستخلفهم فيها؛ لينظر كيف يعملون " انتهى .
ثانيًا:
ذكر العلماء أن كشف العورة كان من قبيل العقوبة لآدم وحواء عليهما السلام ، وهذا ظاهر من سياق الآيات ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : " قبل أن ازدردا : أخذتهما العقوبة . والعقوبة أن "بدت" ظهرت لهما "سوآتهما" عوراتهما ، وتهافت عنهما لباسهما ، حتى أبصر كل واحد منهما ما ووري عنه من عورة صاحبه ، وكانا لا يريان ذلك " انتهى من "تفسير البغوي" (3/ 220).
و"الازدراد" هو الابتلاع.
وممن نص عليه " الطبري " ، قال : " والصواب من القول في تأويل ذلك عندي ، أن يقال: إن الله تعالى حذر عباده أن يفتنهم الشيطان ، كما فتن أبويهم آدم وحواء ، وأن يجردهم من لباس الله الذي أنزله إليهم ، كما نزع عن أبويهم لباسهما...
وأضاف جل ثناؤه إلى إبليس إخراج آدم وحواء من الجنة ، ونزع ما كان عليهما من اللباس عنهما ، وإن كان الله جل ثناؤه هو الفاعل ذلك بهما ، عقوبة على معصيتهما إياه ؛ إذ كان الذي كان منهما في ذلك عن تشبيه ذلك لهما ، بمكره وخداعه ، فأضيف إليه أحيانا بذلك المعنى ، وإلى الله أحيانا بفعله ذلك بهما " انتهى من " التفسير " (10/ 134).
وقال "القرطبي" في "التفسير" (7/ 180): " قوله تعالى: ( فلما ذاقا الشجرة ) أي أكلا منها .. ( بدت لهما سوآتهما ) أكلت حواء أولًا فلم يصبها شيء ، فلما أكل آدم حلت العقوبة "، انتهى .
والله أعلم.